د.عادل فريجات: الناقد حامل شعلة في سراديب الأدب
البعث الأسبوعية- أمينة عباس
كاتب من مواليد قرية خبب في درعا عام 1949، حاصل على إجازة في اللغة العربية ودبلوم الدراسات العليا وعلى درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة دمشق، وهو ناقد وباحث في التراث، له 20 كتاباً مطبوعاً منها: “الشعراء الجاهليون الأوائل” و”مرايا الرواية” و”النقد التطبيقي للقصة القصيرة في سورية” وكتاب توثيقي عن قريته خبب بعنوان “قرية من حوران خبب سكاناً وعمراناً وثقافة”، إضافة إلى مقالات ودراسات كثيرة، كما شارك في عدد من المؤتمرات والندوات في سورية والعالم العربي، يقيم منذ ثماني سنوات في باريس وفي زيارته الحالية لدمشق التقته مجلة “البعث الأسبوعية” وكان الحوار التالي:
*حمل إصدارك الأخير عنوان “أوراق باريس” ماذا تضمنت هذه الأوراق؟
**أوراقي هذه تشبه مائدة متعددة الأطعمة، وهي تنطوي على تنوع واسع، فبعضها كتبتُه جراء مشاهداتي في باريس، وبعضها كان مستلاً من سجل الذكريات وما حفظته من سيرتي العلمية، وجزء منها كان ثمرة مشاهداتي وتأملاتي في تقلبات الحياة وتصرفات الناس وطباعهم ومفاهيمهم، وشطر منها كبير متصل اتصالاً وثيقاً بالثقافة العامة والنقد الأدبي، وفيها أيضا بعض آرائي الشخصية في شؤون مختلفة، وبإيجاز سيجد القارئ آراء لي مختصرة جداً، ومقالات مكثفة أنا أول العارفين بقابليتها للتوسع والتطويل، ولكني آثرتُ إبقاءها على ما هي تماشياً مع ألوان أخرى من التعبير الأدبي والفكري: القصيدة الومضة والقصة القصيرة جداً.. وبعد أن نشرتُ أبحاثاً مطولة ودراسات موسعة في العديد من كتبي المطبوعة قررتُ أن أنشر بعضاً مما كتبتُه على صفحات الفيس بوك في كتيّب لاعتقادي أن في عملي هذا جدوى، خاصة لأصدقاء وقرّاء لم يطلعوا عليه أو لم يطلعوا عليه كاملاً، فالدائرة التي حوته هي أضيق كثيراً من عالمنا الفسيح خارج تلك المدونة التي مهما اتسعت تبقى محدودة وضيقة، ويبقى لعالم النشر الورقي سحره وخصوصيته، وقد سميت كتابي “أوراق باريس” لأني كتبتها في عاصمة النور والعطور، وقبلي سمى الصحفي الأبرز محمد حسنين هيكل كتاباً له “اليابانيات” وهو مقالات كتبها في اليابان، فالمكان له تأثيره ودلالاته ومكانته.
*أي تأثير أحدثه المكان عليك ككاتب وأنت الموجود في باريس منذ سنوات؟
**لا جدال في أن الزمان والمكان لهما تأثير في وجدان المرء وفي أفكاره، وبعض مقالاتي كتبتها جراء مشاهداتي في باريس، وبعضها كان مسنداً من سجل الذكريات، وعلى سبيل المثال حين أمر بقرب جامعة السوربون أتذكر أساتذة وشخصيات عربية تخرجت في تلك الجامعة ومنهم د.إبراهيم الكيلاني وفهد عكام وطه حسين والحبيب بورقيبة، وحين أزور معهد العالم العربي هناك أتذكر سنة افتتاحه في العام ١٩٨٨ وقد عرفت من قيّم المكتبة فيه وهو الطيب ولد العروسي أن مكتبة المعهد المذكور تضم ثمانين ألف كتاب وثمانمائة دورية، وبعض مؤلفاتي من مقتنياتها.
*انزاحت ألوان التعبير الأدبي نحو الإيجاز والتكثيف، وهذا ما فعلتَه في “أوراق باريس”.
**ربما كان هذا الانزياح نوعاً من أنواع الاتساق مع إيقاع العصر، فمن أكثر الأشياء تداولاً في أيامنا الرسائل الإلكترونية المتصفة بالاختصار الشديد، ويليها منشورات أصحاب صفحات التواصل الاجتماعي التي تحرص على عدم الإطالة.. وهنا لا بد من التذكير بالقصيدة الومضة والقصة القصيرة جداً أو الأقصوصة، واتساقاً مع هذه الظاهرة حددت “التويتة/التغريدة” على منصة التويتر بدايةً من 140 حرفاً، ثم رفعت إلى 240 حرفاً، واتساقاً مع ما تقدم كنت أحاول تركيز منشوراتي على صفحتي للتواصل الاجتماعي في قليل من الكلمات، الشأن الذي يتطلب تركيزاً وتكثيفاً شديدين، وكذلك كان يفعل كثيرون غيري مما يشجع على الاستمرار.. والجميل في آرائي ومقالاتي الالكترونية أنني كنت أشعر بصداها سريعاً، كتابة وشفاهاً عند قرائي، وكثير منها كان أثره طيباً وعميقاً، حتى أن غير صديق نصحني أن أجمع ما أنشره في كتاب كي لا يضيع، وكانت عبارات التشجيع تأتي من جهات كثيرة بسبب العدد الجم لأصدقائي في الفضاء الافتراضي وهو يقترب من أربعة آلاف صديق.
*رصدتَ في كتابك “في نقد السَّرد العربي” 21 أثراً فنياً سردياً، كتبها 17 روائياً، فما هي أبرز النتائج التي خلصتَ إليها؟
**كتابي في نقد السرد العربي فيه جولة واسعة تناولت بالتحليل روايات عربية لكتّاب من مصر والعراق وسورية ولبنان والأردن وفلسطين والجزائر، وبسطت الهواجس التي أرقت أولئك الكتّاب غير غافل عن التقنيات التي توسلوا بها لبسط رؤاهم وأفكارهم، وهو يأتي مكملاً لكتابي “الخطاب وتقنيات السرد في النص الروائي السوري المعاصر” ومن حسن الطالع أن ناشر كتابي الأخير وهو صاحب دار سوريانا نقل لي رواج كتابي المذكور عند القراء وكثرة النسخ التي تباع منه في كل معرض كتاب داخل القطر وخارجه .
*شبهتَ الناقد في أحد حواراتك بحامل الشعلة الذي يضئ سرداب الأدب ويبدد العتمة، فهل مارس الناقد العربي هذه المهمة بشكل صحيح؟
*نعم، الناقد حامل شعلة في سراديب الأدب، وتاريخ الأدب غالباً يُكتب بناء على أحكام بعض النقاد، والناقد ليس فقط من يضيء النص بل هو من يوجه الحركة الأدبية ويشيد بالكاتب المحلي، وهنا ينبغي التذكير بفضل بعض النقاد على المبدعين الكبار أمثال فضل سلامة موسى على نجيب محفوظ، وفضل يوسف اليوسف على عبد القادر الحصني، وفضل مارون عبود على نزار قباني، والسلسلة تطول.
*تجمع بين الاهتمام بالتراث الأدبي والنقدي العربي، فماذا استفدتَ من هذا الجمع؟ وكيف تعامل نقادنا مع التراث؟
*لا انفصام بين النشاطين، والناقد المسلح بمعرفة تراثية ناضجة أقدر –غالباً- على النفاذ إلى كنه الأثر الفني، فمع معارفه التراثية تتسع رؤيته وتترسخ أحكامه، وقد مررت بأحكام لبعض النقاد حول آثار فنية معينة ما كان لها أن تصدر إلا عن ناقد يمتلك معرفة ممتازة بالتراث.. وبخصوص أحكام بعض النقاد لا يمكن القول أنها أغلاط وإنما هي اجتهادات قد تحوز حداً عادياً من الإقناع وقد لا تحوز.
*في رصيدك أيضاً مجموعتان قصصيتان وأنت المنشغل أكثر بممارسة النقد، فهل كانت هاتان المجموعتان مجرد نزوة أم أنها ولدت عن سابق إصرار وتصميم؟
**المجموعة الأولى كانت بعنوان “سحر الكلمات” والثانية بعنوان “اللحظة الحارقة” ٢٠١٨ وكلمة نزوة ليست في مكانها هنا، فالكاتب له الحق أن يجرب قلمه في كتابة كل الأجناس الأدبية إن رغب بذلك وآنس من نفسه قدرة على ذلك، ولا ريب أن هناك تصميماً على كتابة القصة القصيرة والقصة القصيرة جداً، ودوافع ذلك تحتاج إلى استبطان وتعمّق، ولدينا العديد من الكتّاب الذين كتبوا النقد والشعر والسرد أذكر منهم: شوقي بغدادي، عيسى درويش، أيمن أبو شعر، سميح القاسم، ممدوح عدوان، نسيب عريضة، ميخائيل نعيمة، جبران خليل جبران، فيكتور هيجو، شكسبير.
*لم تعد القصة العربية القصيرة كما كانت عليه في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات وهو ما ينطبق على الشعر أيضاً لتتسيد الرواية المشهد الأدبي، فهل تتفق مع هذا الكلام؟
**الحكم بتراجع القصة القصيرة لمصلحة الرواية يحتاج إلى تدقيق وإحصائيات، ولكن أوافق على أن عصرنا غالباً هو عصر الرواية بعد أن كانت السيادة للشعر فيما مضى، فكما كان الشعر ديوان العرب في العصور القديمة صارت الرواية تحتل هذه المكانة، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الرواية عالم قائم بذاته فيه السرد والشعر والصور البديعة والتاريخ والتحليل، وهي جنس أدبي يحتاج إلى موهبة ودربة وثقافة كما يتطلب قدرة خاصة من النقاد للكشف عن أسرار الجماليات فيه، وربما يعرف بعضهم أن عندي ثلاثة كتب في نقد السرد العربي هي “مرايا الرواية” دمشق ٢٠٠٠ و”الخطاب وتقنيات السرد في النص الروائي السوري المعاصر” دمشق ٢٠٠٩ و”في نقد السرد العربي” دمشق ٢٠١٨.
*ما زال عدد كتب السيرة الذاتية متواضعاً في الشرق على الرغم من أنها تلقى صدى طيباً لدى القراء، في حين أنها تزدهر في الغرب.
**إن كتابة السير الذاتية مزدهرة في الغرب لأن مناخ الحرية هناك أوسع، وهم لا يجدون غضاضة في البوح، في حين أننا نتردد كثيراً في فعل ذلك، مع التذكير أن لدينا كتّاب سيرة في بلادنا العربية، أهمهم طه حسين في “الأيام” وبديع حقي في “الشجرة التي غرستها أمي” وأحمد أمين في “حياتي” وكذلك توفيق الحكيم في سيرته المعروفة..الخ.
*كيف تصف حضور الأدب العربي في باريس من خلال بعض المترجمات عنه؟
**بحدود معرفتي أجد الترجمة للأدب العربي قليلة، بل نادرة، والحق أن هناك منافسة للأدب المشرقي من قبل الأدب المغاربي وذلك بسبب الاحتكاك الأقوى من كتّاب المغرب بالأوساط الأدبية الفرنسية.
**أي جديد لديك على صعيد الكتابة؟
**عندي الآن كتاب جديد أفكر بطباعته ولكني متردد بسبب منافسة الكتاب الالكتروني للكتاب الورقي.