الاستقرار المالي ومفتاح الانتعاش القوي
ترجمة وإعداد: هناء شروف
حذّر تقرير صدر مؤخراً عن صندوق النقد الدولي من أن طرح لقاح كوفيد 19 غير المتكافئ يمكن أن يقسم الاقتصاد العالمي من خلال استمرار الدول ذات الدخل المرتفع في زخم الانتعاش والدول منخفضة الدخل بمزيد من الانكماش. وعليه فإن هشاشة الانتعاش غير المتكافئ ستكون تحدياً كبيراً للاقتصاد العالمي في الأشهر المتبقية من عام 2021 والعام المقبل.
تواجه العديد من الدول تحدي الضعف المالي، والاقتصادات الناشئة معرّضة بشكل خاص للمخاطر التي يمكن أن يخلقها تشديد السياسات المقبلة في الاقتصادات المتقدمة. وبالتالي يخضع استقرارها المالي للآثار غير المباشرة من تحولات السياسة مما يؤدي إلى تدفقات رأس المال المتقلبة وتقلبات أسعار الصرف المزعجة.
على هذا النحو فإن العديد من الاقتصادات المثقلة بالديون ذات الأدوات السياسية المحدودة يمكن أن تعاني من أضرار اقتصادية طويلة الأمد، لكن بصرف النظر عن الصدمات قصيرة الأجل فإن التحديات المتطورة مثل التحول الرقمي وتغيّر المناخ هي فرص ومخاطر للنمو المستدام يجب معالجتها الآن وبشكل صحيح.
في هذه الفترة الانتقالية، يعدّ الحفاظ على الاستقرار المالي العالمي مفتاحاً لتحقيق انتعاش اقتصادي قوي. صحيح أن الجهود العالمية لها أهمية قصوى في هذه الأوقات الحرجة، لكن لا ينبغي لنا أن ننسى أن مجموعة العشرين تلعب دوراً مهماً في تحديد أولويات المهام على أساس الإجماع. على سبيل المثال، ساعدت مبادرة تعليق خدمة الديون لمجموعة العشرين الدول من خلال تعليق سداد ديونها مؤقتاً على تركيز مواردها على مكافحة الوباء، وحماية أرواح وسبل عيش الملايين من الأشخاص الأكثر ضعفاً. ومنذ دخوله حيّز التنفيذ في الأول من أيار من العام الماضي، ساعد 46 دولة على تأجيل سداد ديون بقيمة 10.3 مليارات دولار.
كما تساعد شبكة الأمان المالي العالمية البلدان على معالجة مشكلة الديون والسيولة، حيث يلعب صندوق النقد الدولي الدور المركزي في هذه العملية. منذ شهر آذار 2020 قدّم صندوق النقد الدولي 117.6 مليار دولار كمساعدة مالية لـ87 دولة في إطار تسهيلات الإقراض المختلفة، و850.7 مليون دولار لتخفيف ديون 29 دولة من خلال صندوق احتواء الكوارث وتخفيفها. كما دخل صندوق النقد الدولي المخصّص لحقوق السحب الخاصة البالغة قيمته 650 مليار دولار حيّز التنفيذ في 28 آب من هذا العام، وهو بمثابة مصدر تمويل إضافي للبلدان للتعامل مع مشكلات السيولة وتعزيز حملة التطعيم.
كما أنشأ صندوق النقد الدولي صندوق المرونة والاستدامة بهدف توفير إقراض منخفض التكلفة وفترة استحقاق طويلة نسبياً للبلدان منخفضة الدخل والدول الأصغر. والأهم من ذلك فقد تعهد من أجل مكافحة تغيّر المناخ والتكيف معه بإدراج عنصر المناخ في سياسة الإقراض الخاصة به، لكن على صندوق النقد الدولي أن يفعل المزيد لتلبية الطلب المتزايد على التمويل.
حالياً تمثل حصص الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي أقل من نصف القدرة التمويلية الإجمالية لصندوق النقد الدولي. ويأتي باقي التمويل من ترتيبين مؤقتين رئيسيين هما الترتيب الجديد للاقتراض، وترتيبات الاقتراض الثنائية.
لا عجب أن يخشى الكثير من أن الافتقار لمصادر تمويل دائمة يمكن أن يحدّ من قدرة صندوق النقد الدولي ويقوض شرعيته. علاوة على ذلك تعتبر خطوط مقايضة العملات لدى البنوك المركزية في أوقات أزمة السيولة بالغة الأهمية لتخفيف المخاطر المالية.
على المستوى الإقليمي، تساعد الترتيبات المالية الإقليمية الدول من خلال تقديم الدعم المالي لها. في الماضي لعبوا دوراً إيجابياً في التعامل مع الأزمات المالية من خلال التعاون مع صندوق النقد الدولي والمؤسّسات المالية الدولية والإقليمية الأخرى. ولكن نظراً لأن عدداً قليلاً جداً منها تمّ تنشيطه أثناء الجائحة فقد أصبح من المهم بشكل متزايد تعبئة تلك الترتيبات الإقليمية، ولاسيما في الحالات التي لا يمكن فيها تغطية فجوات التمويل.
من منظور طويل الأجل هناك حاجة لنظام مالي دولي معزّز لتوفير المزيد من المنافع العامة للعالم، والتعاون الدولي مطلوب للتعامل مع المخاطر المشتركة التي تهدّد الاقتصاد العالمي. لذلك فإن إنشاء مؤسسات مالية دولية ذات تقاسم أوسع للمخاطر بين جهات فاعلة متعدّدة هو السبيل لتحسين حماية الاستقرار المالي العالمي وتعزيز الرخاء الاقتصادي.