دراساتصحيفة البعث

الولايات المتحدة في مجلس حقوق الإنسان.. أي استهزاء؟

عناية ناصر

استعادت الولايات المتحدة مقعدها في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في تصويت بدون منازع في الجمعية العامة في 14 تشرين الأول الجاري بعد أن انسحبت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عام 2018 متذرعة بـ”الانحياز المزمن” ضد الكيان الصهيوني.

وقال لويس شاربونو، مدير منظمة هيومن رايتس ووتش في الأمم المتحدة، في بيان: ” ليس لدى الولايات المتحدة ما تحتفل به بخلاف ممارساتها الناجحة في التنمر”. أما وفقاً لسفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس جرينفيلد، فإن أهداف واشنطن ستكون الوقوف إلى جانب المدافعين عن حقوق الإنسان، والتحدث علناً ضد انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان، مبررة انحيازها الكامل لـ”إسرائيل” بأن بلادها ستظل تعارض ما زعمت أنه اهتمام المجلس غير المتناسب بـ”إسرائيل”.

هذه الكلمات تتضمن بالطبع تناقضاً واضحاً، وهي ليست إلا دعاية خالصة، فإذا كانت أمريكا مهتمّة فعلاً بالدفاع عن حقوق الإنسان، يجب أن ترفع على الفور “العقوبات القاتلة” التي شلّت الحكومات في قدرتها على مكافحة كوفيد-19 وهي عقوبات هدفها “تغيير الأنظمة” في البلدان التي لا تلتزم بأوامر واشنطن. هذه العقوبات التي قتلت وما زالت تقتل عشرات الآلاف من الأشخاص في كوبا ونيكاراغوا وسورية وفنزويلا، لأنها تسبّب بشكل مباشر ندرة في الغذاء والأدوية، وعدم توفر معدات غسيل الكلى والماسحات الضوئية الطبية، وانهيار البنى التحتية، والبطالة، والهجرة على نطاق واسع.

إن الأجندة الأمريكية في المجلس تعمل فقط على تعزيز أولويات هيمنة الولايات المتحدة التي، وفقاً لـ”رويترز”، أهم بكثير لإدارة الرئيس الأمريكي بايدن من حماية حقوق الإنسان نفسها. لذلك فإن الخطوة الأخيرة لإعادة التعامل مع المؤسّسة الدولية تأتي انسجاماً مع خطة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين للتراجع عن الانسحاب في عهد إدارة ترامب، وقد سبق لوزير الخارجية الأمريكي أن قال إن الانسحاب الأمريكي من المنظمات الدولية “لم يفعل شيئاً، ولكنه خلق فراغاً بدلاً من ذلك للقيادة الأمريكية، والتي استخدمتها الدول التي وصفها بـ ذات الأجندات الاستبدادية لصالحها”.

بلينكين لاعب متمرّس في الدعاية والتضليل الأمريكي، ومتحدث بليغ على عكس مايك بومبيو، حيث يبذل قصارى جهده لجعل الإمبريالية الأمريكية تبدو وكأنها ترويج للديمقراطية. لذلك فإن وجود واشنطن في المجلس يخدم اتفاق الحزبين في الكونغرس الأمريكي بشأن التقليل من شأن انتهاكات حقوق الإنسان ضد الفلسطينيين من قبل الكيان الإسرائيلي التي اتهمتها “هيومن رايتس ووتش” بارتكاب “جرائم الفصل العنصري” في نيسان الماضي، فضلاً عن تجيير حقوق الإنسان ضد خصومها الجيوسياسيين مثل الصين من خلال التركيز على الموضوعات المتعلقة بمنطقة تايوان في البلاد، ومنطقة هونغ كونغ، ومنطقة شينجيانغ الإيغورية ذاتية الحكم.

الجدير بالذكر أن مجلس حقوق الإنسان ومقره جنيف تأسّس عام 2006 ليحلّ محل لجنة فقدت مصداقيتها في السابق بسبب سجلات أعضائها السلبية في مجال حقوق الإنسان. ومع ذلك، فإن المجلس الجديد لا شك أنه مسيّس تماماً مثل سابقه. من هنا ومع عودة الولايات المتحدة إلى المجلس في عام 2022 -الدورة الجديدة- سيكون من الصعب على المجلس مقاومة ضغوط واشنطن، وسيكون من الصعب أيضاً على المجلس التزام الحيادية في “توثيق الفظائع من أجل محاسبة منتهكي حقوق الإنسان”. فهل يستطيع المجلس أن يحاسب كما ادّعى الوزير بلينكين، وهل يعني بلينكين ذلك؟. أي هل من الممكن أن يحاسب المجلس الولايات المتحدة على استمرار التمييز ضد الأمريكيين من أصل أفريقي، وضد الأمريكيين الأصليين المنسيين تقريباً؟ وهل تصدق رواية نائبة الرئيس كامالا هاريس التي أكدت مؤخراً بأن يجب أن تواجه بلادها “الماضي المخزي”؟!.