أطماع أردوغان في إفريقيا
سمر سامي السمارة
مع التراجع الحاد للنفوذ الغربي في إفريقيا، أصبحت تركيا مؤخراً اللاعب الجديد الأكثر تأثيراً في القارة الإفريقية، وعلى الرغم من أن علاقة تركيا بإفريقيا لا تتجاوز العشرين عاماً، فقد وضعت مجموعة من الدبلوماسيين الأتراك العاملين في القارة الإفريقية في أواخر الثمانينيات إستراتيجية لـ”فتح إفريقيا”، حيث أعلنت أنقرة مساراً لاستخدام سياسة متعددة الموجهات، وبدأت تنفذ باتساق إستراتيجيتها لتعميق وتوسيع العلاقات مع إفريقيا في أربعة اتجاهات رئيسية.
يمثل هذا الأمر في المقام الأول والأخير، تصاعداً في النفوذ السياسي والعلاقات التجارية الاقتصادية، وبدوره تابع حزب العدالة والتنمية، الذي وصل إلى السلطة في تركيا عام 2002، بنشاط سياسة التوسع التركي في القارة، كون البلدان الإفريقية بأسواقها تمثل مصدراً كبيراً للربح. كما اعتمدت أنقرة على تكثيف التأثير الأيديولوجي في القارة ضد عدوها الأيديولوجي “فتح الله غولن” وإغلاق العديد من مدارسه في الدول الإفريقية.
في السنوات الأخيرة، اكتسب تعزيز تركيا لموقعها في المجال العسكري في إفريقيا أهمية متزايدة، فلم يقتصر الأمر على إرسال مرتزقتها إلى ليبيا وعدد من الدول الإفريقية الأخرى، بل يشير وجود القاعدة العسكرية الجديدة في الصومال -وهي أول قاعدة تركية في إفريقيا والأكبر خارج البلاد- إلى اهتمام أنقرة بالتوسع العسكري في إفريقيا.
وبحسب وكالة “رويترز” التي نقلت عن أربعة مصادر مطلعة توسيع تركيا لصادراتها من الطائرات المسلحة بدون طيار إلى إفريقيا بعد استخدامها الناجح في النزاعات الدولية، حيث أبرمت اتفاقيات جديدة مع إثيوبيا. ومع ذلك، تتوقع الوكالة أن تسليم طائرات بدون طيار إلى إثيوبيا يمكن أن يؤدي من ازدياد حدة التوتر بين أنقرة والقاهرة، والتي تختلف مع أديس أبابا حول توليد الطاقة الكهرومائية على سد النيل.
إلى الآن، تركز أنقرة في إفريقيا على تدريب الموظفين المحليين، حيث يتمّ تعليم هؤلاء الأفراد مهارة التفكير وفقاً للمعايير التركية في نظام التنسيق التركي من جهة، ومن جهة أخرى، يتمّ تشكيل لوبي مؤيد لتركيا، مع التركيز على المستقبل.
كما ينصبّ اهتمام تركيا بشكل متزايد بالقارة الإفريقية بسبب وجود المعادن والموارد الخام والأراضي الصالحة، والمياه والغطاء النباتي والموارد الأخرى، بالإضافة إلى عدد سكان يزيد عن مليار شخص. لذلك أثر التوسع التركي على دول شمال إفريقيا، وإفريقيا الاستوائية، حيث يبيع الأتراك ما قيمته 5 مليارات دولار من البضائع اليوم بدلاً من 750 مليون دولار في عام 2004.
نظراً لإمكانيات القارة الإفريقية، بذلت تركيا قصارى جهدها للتقارب من الدول الإفريقية منذ أوائل القرن الحادي والعشرين، ما أدى إلى زيادة عدد السفارات التركية في الدول الإفريقية الجديدة من 12 دولة في عام 2009 إلى أكثر من 40 دولة. كما أصبحت تركيا في العام 2005، دولة مراقب في الاتحاد الإفريقي، وفي عام 2008 أصبحت شريكاً استراتيجياً فيه، وفي العام 2013 انضمت إلى بنك التنمية الإفريقي كأحد أعضائه “غير الإقليميين”.
عُقدت قمة التعاون التركي الإفريقي الأولى في إسطنبول عام 2008، وعقدت القمة الثانية في غينيا عام 2014. وعُقد أول منتدى أعمال تركي- إفريقي في إسطنبول عام 2016. وزاد حجم الأعمال من 4.3 مليارات دولار في عام 2002 إلى أكثر من 25 مليار دولار.
اليوم تحاول تركيا جاهدة أن تلعب دوراً خاصاً “كحامية لإفريقيا”، لتظهر المسألة وكأن لديها أسباباً تاريخية للقيام بذلك. ولتأكيد ذلك، تضمنت المعلومات الأساسية لموقع وزارة الخارجية التركية حول العلاقات مع المنطقة قسماً كاملاً مخصصاً للتسلسل الزمني لتشكيلها، حيث يتمّ تقديم تاريخ العلاقات مع هذه القارة بطريقة يُظهر أن الإمبراطورية العثمانية كانت مركزاً أمامياً لمناهضة الاستعمار في شمال إفريقيا، وأنها حمت أراضي شرق إفريقيا من التعديات الأوروبية.
خلال فترة رئاسته للوزراء، وبعد أن أصبح رئيساً، منذ عام 2002، أجرى أردوغان 38 زيارة إلى 28 دولة إفريقية، ومع ذلك، عشية وصوله في 18 تشرين الأول إلى نيجيريا، وجهت هيئة حقوق المسلمين في ذلك البلد، بحسب صحيفة “ديلي بوست” النيجيرية الناطقة باللغة الإنكليزية، تحذيراً شديد اللهجة لأردوغان تطالبه بالتوقف عن اضطهاد فتح الله غولن. واتهمت هذه المنظمة الزعيم التركي “بالاعتقال التعسفي، والتعذيب، والاغتيال السياسي والسجن الطويل لشخصيات المعارضة والمنتقدين”.