التضخم النقدي يضرب الدول الصناعية
ريا خوري
تواجه السياسات المالية في الدول الصناعية الكبرى ومعها بقية دول العالم، لأول مرة منذ عقود طويلة، معضلة قل نظيرها تتلخص في ارتفاع التضخم النقدي بالتوازي مع ضعف النمو التجاري العام ، وهو أمر نادر الحدوث في العالم، حيث يفترض أن يتحقق التضخم النقدي عادة في ظل نمو اقتصادي متسارع . على سبيل المثال في الولايات المتحدة الأمريكية تسارع التضخم النقدي من 1.4% في شباط إلى 5% في شهر أيار.
في عام 2008 حينما انهار النظام المالي العالمي، أقدم المواطنون على شراء العقارات بكثافة، والأصول الأخرى، وهو ما تسبب بأزمة الرهن العقاري. أما اليوم تقف البنوك المركزية أمام خيارين أحلاهما مرّ: فإما السماح للتضخم بالتسارع نحو تضخم مالي مفرط وبالتالي تضاعف الأسعار ، أو رفع سعر الفائدة على القروض، وخفض الدعم المقدم للشركات والمؤسسات والأفراد.
لقد جرت العادة أن يترافق ارتفاع الأسعار بشكل عام مع أي نمو اقتصادي، بسبب تحسن الطلب ما يدفع التضخم النقدي إلى مستويات أعلى، لكن أن تتحقق الارتفاعات السعرية في ظل ضعف الاقتصاد العالمي، فهذا يعني أننا مقبلون قريباً على مشكلة ستفاقم من هذا الضعف، حيث يتقلص الطلب عندما تنخفض قدرة المستهلكين على الشراء.
هذه المشكلة تجعل البنوك المركزية في العالم حائرة في استخدام سلاح الفائدة، فهي في الوقت الذي لا تستطيع فيه رفع نسبة الفائدة في ظل أوضاع اقتصادية صعبة ومتعثرة، وضعيفة النمو بسبب تأثيرات جائحة كوفيد 19، تواجه زيادة كبيرة ومتسارعة في التضخم، تتراوح بين 3% و 5% بسبب الجائحة، حيث ارتفعت أسعار المواد الخام بشكل كبير.
في الأشهر القليلة الماضية راهن العديد من قادة السياسات النقدية على أن التضخم النقدي العالمي هو تضخم مؤقت، لكنهم بدأوا يتراجعون إلى القول إن هذا التضخم سيبقى لفترات أطول ما دام الإنتاج العالمي متعطل بسبب كورونا، وارتفاع أسعار المواد الخام ، وارتفاع أسعار الطاقة لأعلى مستوياتها منذ سنوات عدة.
أمام هذه المشكلة، فإن المستهلكين هم الخاسرون لأن أموالهم المودعة في البنوك تتبخر بسرعة، حيث يفقدون قرابة 4٪ سنوياً مع فائدة إيداعات صفرية، كما أنه في ضوء ضعف الاقتصاد العالمي يحجمون عن إطلاق مشاريع اقتصادية جديدة، ويتجهون عوضاً عن ذلك إلى استثمارها في الأصول على غرار أسهم سندات العقارات، ما يجعل تلك الأصول تتضخم أيضاً بسرعة كبيرة.