دراساتصحيفة البعث

اختلاق مؤامرة خارجية.. أردوغان يحضّر للمعركة الانتخابية

د.معن منيف سليمان

يختلق رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان مؤامرات خارجية لتعزيز موقفه الداخلي عبر الصدام مع الغرب من أجل التحضير لخوض المعركة الانتخابية والخروج ببعض المكاسب السياسية بعد أن أدرك أنه لن يتم انتخابه في الانتخابات الرئاسية المقبلة 2023. وبناءً على ذلك اتخذ قراراً مستفزاً للغرب عندما أمر بإعلان عشرة سفراء غير مرغوب فيهم بذريعة حماية السيادة الوطنية، ولكن كان في الحقيقة من أجل حشد الرأي والتأييد إذ بات استخدام مثل هذه القرارات الصادمة جزءاً من أسلوبه في الحكم.

كانت الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وكندا والدنمارك وهولندا ونيوزيلندا والنرويج والسويد وفنلندا، دعت في بيان مشترك إلى الإفراج عن المعارض التركي عثمان كافالا، عادّةً أن “استمرار احتجازه يثير الشكوك حول الديمقراطية وسيادة القانون في تركيا”.

فمنذ الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي حدثت عام 2013، في ميدان غيزي في إسطنبول التي كانت التحذير الأول للحكومة، وبعدها الانقلاب الذي باء بالإخفاق ضدّ رئيس النظام التركي أردوغان عام 2016، تعيش تركيا على وقع الاعتقالات التي مسّت صحافيين وجنوداً وسياسيين ومدافعين عن حقوق الإنسان وفنانين على حدّ سواء.

ويُعدّ كافالا إلى جانب زعيم حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش من أبرز السجناء السياسيين في تركيا. وتتهم السلطات التركية كافالا بـ”السعي إلى زعزعة استقرار البلاد”.

في بداية الأمر وجهت له الحكومة تهمة محاولة الإطاحة بالنظام عبر تمويل الاحتجاجات التي عاشتها تركيا عام 2013، ضدّ إزالة حديقة “غيزي بارك” بهدف بناء سوق تجارية مكانها في قلب إسطنبول وهي الاحتجاجات التي اتسعت وتحوّلت إلى مظاهرات عارمة ضدّ حكم أردوغان.

وجاء في ملف الدعوى الثانية ضدّ كافالا قبل أن تدمج مع الأولى، أنه قام بأنشطة تجسس سياسي وعسكري وخرق الدستور بالتعاون مع المسؤول السابق في الخارجية الأمريكية الباحث هنري باركي عبر الحصول على معلومات سرية تتعلّق بمصالح تركيا الأمنية والسياسية.

وجاء في لائحة الاتهام:” ليس من باب المصادفة تزامن زيارة هنري باركي إلى تركيا مع ما شهدته البلاد من أحداث عصيبة حسب ما تؤكّد تصريحات المشتبه به” في إشارة إلى وجود باركي في تركيا عند وقوع محاولة الانقلاب.

وتقول تركيا أن باركي “نسق وراقب عملية الانقلاب حسب ما تؤكد الأدلّة التي تركها وراءه في الفندق الذي كان يقيم فيه”. وطالب الإدعاء بسجن كافالا وهنري باركي الذي يحاكم غيابياً، مدى الحياة وعشرين سنة إضافية.

وعلى الرغم من المطالبات الدولية الأوروبية والأمريكية بالإفراج عن الناشط ورجل الأعمال التركي عثمان كافالا، إلا أن أنقرة مصرّة على سجنه بمزاعم ضلوعه بمحاولة الانقلاب عام 2016، فلماذا هذا الإصرار رغم أنه ليس مشهوراً على الصعيد الدولي، ولا يعدّ شخصية سياسية، بل عمله خيري ركّز على إعادة البناء بعد الزلازل، وعلى البرامج الثقافية والفنية للأقليات؟.

شكّل كافالا مصدر التوتر في علاقات تركيا مع الغرب، على الرغم من سجن عشرات الآلاف من الأتراك أو تجريدهم من وظائفهم بتهم واهية منذ محاولة الانقلاب التي باءت بالإخفاق، ذلك أن كافالا الذي رعى الكثير من النشاطات الثقافية والفنية يمثّل نقيضاً صارخاً لأردوغان الذي يروّج للإسلام السياسي ويحكم تركيا منذ عام 2003، بقبضة حديدية.

إن أردوغان يحاول أن يصوّر المعارضة الداخلية لحكمه منذ قرابة عقدين على أنها مؤامرة خارجية، ويتهم كافالا بكونه جزءاً من هذه المؤامرة المزعومة التي نظمتها قوى أجنبية، فإن إطلاق سراحه سيضعف هذه الرواية المشكوك فيها، وهذا ما لا ترغب فيه حكومة أنقرة.

وكان مجلس أوروبا قد هدّد أنقرة بإجراءات عقابية يمكن إقرارها خلال دورته المقبلة التي ستعقد بين 30 تشرين الثاني والثاني من كانون الأول، إذا لم يتم الإفراج عن كافالا خلال مدة محاكمته. ويمكن أن تصل الإجراءات ضدّ تركيا إلى تعليق حقوق التصويت وربما العضوية في المجلس.

في الواقع، إن تعهد المعارضة التركية بالإطاحة برئيس النظام التركي أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقرّر إجراؤها في حزيران 2023، ونقل البلاد بعد ذلك إلى النظام البرلماني. هو السبب وراء كل ما يحضّر له أردوغان. إذ تكثف ستة أحزاب معارضة تركية التعاون بينها في محاولة لإقصاء أردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه في الانتخابات المقبلة ما يزيد الضغط على الرئيس في وقت تشير فيه استطلاعات الرأي إلى تراجع التأييد للتحالف الحاكم الذي يتزعمه.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن نسبة التأييد لحزب العدالة والتنمية تتراوح بين 31 – 33 بالمئة انخفاضاً من 42.6 بالمئة في الانتخابات البرلمانية عام 2018. كما تشير الاستطلاعات إلى أن نسبة التأييد لحزب الحركة القومية حليف حزب العدالة والتنمية تتراوح بين ثمانية وتسعة بالمئة نزولاً من 11.1 بالمئة، وهي نسب تعني أن يفقد أردوغان السيطرة على البرلمان في الانتخابات المقبلة.

وتعيش تركيا أوضاعاً اقتصادية صعبة للغاية بالتزامن مع ضعف حاد في العملة المحلية، وارتفاع كلفة الإنتاج والاستيراد، في وقت تعاني فيه البلاد من التضخم وارتفاع نسب الفقر. يضاف إلى ذلك مزيد من الأزمات التي يواجهها الاقتصاد المحلي والسكان، وسط ضعف في الثقة الاقتصادية وجائحة كوفيد -19، وحرائق الغابات، والفيضانات وتراجع مؤشر ثقة المستهلك في البلاد، وتآكل ودائع المواطنين بسبب هبوط القيمة السوقية والشرائية للعملة المحلية.

ففي ظل هذه الظروف الاقتصادية المتردية وتراجع التأييد الشعبي فإن أردوغان يسعى للدخول في لعبة سياسية قد تعيده إلى مرتبة الصدارة أو على الأقل تضمن له بعض المكاسب على حساب المعارضة. وبناءً على ذلك يستخدم المفاوضات حول دستور جديد للبلاد من أجل البحث عن طريقة للتراجع عن النظام الرئاسي التنفيذي. بعد أن أصبح من المؤكد أنه لن يتمكن من الفوز في انتخابات أخرى في ظل النظام الحالي، فهو يريد إبقاء الباب مفتوحاً للعودة إلى النظام البرلماني والمفاوضات غير الرسمية.

لقد جدّد أردوغان ترويجه لفكرة طرح دستور جديد، ولفت إلى أنه سيعرض تصوراته بخصوص الدستور بالاشتراك مع حزب الحركة القومية على الشعب التركي، وهو ما يعني فرض رؤيته على الأحزاب المعارضة، التي وإن استمع لآرائها، فإنه لن يكترث لها.

وفي المقابل، تسعى المعارضة التركية لإبراز وجود تضارب مع النظام التركي في رؤيتها لذلك الدستور، التي تبدأ من ضرورة التحوّل من نظام رئاسي إلى نظام برلماني، وهو ما قطع الطريق على محاولات أردوغان لكسب التأييد الشعبي للدستور الجديد، ودفعه، في المقابل، لشن هجوم على المعارضة.

ومن هذا الباب فتح أردوغان جبهة جديدة مع الغرب عبر قضية المعتقل السياسي عثمان كافالا بذريعة حماية السيادة الوطنية من التدخل الخارجي، في سبيل حشد التأييد الشعبي والدعم الجماهيري من أجل التحضير للمعركة الانتخابية خاصة أن احتمال عقد انتخابات مبكرة غير مستبعد في حال عدم نجاح أردوغان في تمرير الدستور الجديد، وبالتالي من المتوقع أن يأخذ التنافس بين المعارضة والنظام مسارات أكثر جدية وحدّة خلال المرحلة القادمة.

وهكذا فإن التصعيد الإعلامي بطرد عشرة سفراء غربيين بينهم سفير أمريكا، بعد بيانهم حول المعتقل المعارض في سجن النظام التركي عثمان كافالا ومطالبتهم بمحاكمة عادلة له، وادعاء أردوغان حماية السيادة الوطنية هو نفاق إعلامي يندرج في إطار التنافس الانتخابي مع المعارضة للبحث عن خيارات قانونية وسياسية تضمن له البقاء في السلطة في انتخابات 2023. فأين كانت تلك السيادة التركية عندما انصاع أردوغان صاغراً وأطلق سراح القس الأمريكي أندرو برونسون بضغوط من الرئيس الأمريكي ترامب وقتذاك؟ وكان بحق القس حكماً قضائياً من القضاء التركي وهو محتجز منذ تشرين الأول 2016، حيث أشارت وسائل إعلام تركية إلى أن التهم ضدّه تتضمن الانتماء لشبكة “غولن”، التي تعدّها أنقرة منظمة إرهابية. لقد أطلق سراح القس الأمريكي بطلب حكومي، وإن غلّف بغلاف استقلالية القضاء التركي.