العلاقة بين الرواية والفنون في معرض الكتاب
لا يقلّ فن الصورة قدماً عن فن الكلمة، بل هناك من يقولون بأسبقية الصورة على الكلمة، وهناك من يؤكد عمق العلاقة بين الرواية والسينما، أو بينها وبين الفن التشكيلي، هذا ما تناولته الندوة التي أقيمت في مكتبة الأسد بعنوان “التواصل بين الرواية والفنون” ضمن فعاليات معرض الكتاب السوري.
الرواية والسينما
في كتابها “سينما وأدب في مئة عام” لم يكن في بال الكاتبة أن تضع مرجعاً تاريخياً عن السينما، بل قصدت مباشرة أن توثق ارتباطاً انعقد مع ميلاد السينما بين لونين من ألوان الفنون والآداب وأثبتت نجاحه جماهيرياً ونخبوياً حيث قرأت في الأعمال الأدبية أبعاداً خجولة سطّرت على هيئة رموز، وشاهدت في الأفلام رؤى جريئة ظهرت في هيئة مثيرة. هذا ما بدأت به د. مانيا سويد حديثها عن “علاقة الرواية والفن السينمائي”، حيث عرضت نموذجين لفيلمين تطرقا لتلك العلاقة، الأول رواية “البؤساء” لفيكتور هوغو التي تحوّلت إلى فيلم عشرات المرات وبمختلف اللغات، هذه الرواية التي كانت مادة غنية لا يملّ المخرجون والمنتجون من تقديمها في السينما والمسرح والدراما التلفزيونية، تتعاقب عليها أجيال وأجيال من المخرجين يتناولونها كل حسب رؤيته ويسقطونها على واقعهم ويجدونها قابلة للتكيف مع كل ألوان الفن من المأساوي التراجيدي إلى الكوميدي الساخر ثم إلى الغنائي الموسيقي، إلا أن تجربة عام 2012 كان لها نكهة خاصة ونوعاً من التمرد على الرؤية الواحدة لأحداث الرواية.
أما النموذج الثاني فكان عن الفيلم المعاصر “خزانة الألم” الذي تدور أحداثه حول احتلال القوات الأمريكية للعراق، ومن خلال الفيلم تتبيّن الروح الأنثوية المشرفة على العمل، فعلى الرغم من أن الفيلم يعالج نصاً سينمائياً مكتوباً من مؤلفه الصحفي مارك بوال، إلا أن روح وبصمات المخرجة كاثرين بيغلو كانت واضحة في كل مشهد وأسقطت التأثيرات النفسية لويلات الحرب على فريقها، وأضفت لمستها الحسيّة على الفيلم.
الرواية والدراما
وعن إشكالية تحويل الأعمال الروائية إلى مسلسلات تلفزيونية أو أفلام سينمائية تحدث الأديب حسن م يوسف عن “الرواية والفنون.. نهاية رجل شجاع أنموذجاً”، فغالباً ما يحتج الكتّاب عقب مشاهدة أعمالهم على الشاشة ويتهمون كتّاب السيناريو بشتى الاتهامات، كذلك من الشائع أن يحبط المشاهد الذي سبق له أن قرأ الرواية، وهذا أمر له أسبابه الموضوعية العميقة وهو ينبثق من فرق جوهري بين طبيعة الأدب المقروء وطبيعة الصورة المرئية. فقارئ العمل الأدبي يتوجّب عليه أن يتخيّل كل شيء يأتي ذكره في الكتاب، ولهذا يقال إن الشخصية الواحدة في الأدب تحتمل مليون هيئة وهيئة، أما في تجربة المشاهدة السينمائية والتلفزيونية فالوضع يختلف كلياً، إذ أن الصورة المرئية لا تعطي المشاهد فرصة المساهمة في إعادة تكوينها إطلاقاً بل تقدم له هيئة واحدة للشخصية.
ويتابع يوسف: “يعتقد البعض أن الدراما السينمائية والتلفزيونية تصادر الخيال وتقوم بتشويه الأعمال الأدبية الأصيلة ولهذه النظرة السطحية أنصارها حتى بين كبار المثقفين، غير أن من يدركون الفرق بين طبيعة القراءة والمشاهدة، يجدون أن تحويل العمل الأدبي لعمل مرئي يثريه فعلاً ويطلقه إلى فضاء أرحب وجمهور أعرض، فالعمل الدرامي يخرج المادة الأدبية من نرجسية صاحبها ويجعلها مادة قابلة للتأويل وتعدّد القراءات، وقد كان هذا موقف المبدع الكبير حنا مينا، حيث قال عقب عرض مسلسل “نهاية رجل شجاع”: “سبق لعددٍ من رواياتي أن حُوّلت إلى السينما، فلم يكن من رضى، أما مع نهاية رجل شجاع فقد كان الرضى”.
وعن تجربته يقول: مارست الاقتباسَ الحر لرواية “نهاية رجل شجاع” انطلاقاً من قناعتي بأن السينما هي وسيلة تعبيرية مختلفة جذرياً عن الأدب، لذا يجب إخضاع النص المقتبس منه، لتفكيك بنيته قبل إعادة إنتاج مكوناته بصرياً.
الرواية والفن التشكيلي
ومنذ نهاية القرن التاسع عشر كان هناك توجّه بالفن التشكيلي أخذ عنوان تحرير اللوحة من سطوة الرواية والأدب عليها، وهذا تمثل بالمدرسة الانطباعية التي كانت تعتبر الفن التشكيلي فناً بصرياً مستقلاً قائماً بذاته يتعامل مع إحساس العين وما تنقله من مشاعر. هذا ما تطرق إليه مدير الندوة الناقد سعد القاسم في مداخلته “الرواية والفن التشكيلي”، حيث رأى أن الصورة جاءت قبل اختراع الكلمة، فرسومات الكهوف التي كانت منتشرة توثق محاولة السرد للأحداث التي حصلت، ويتابع الحديث عن تأثر الأدب بالفنون وبالعكس في الثقافات العالمية والعربية وتداخل الفنون جميعها عبر تاريخ الفن كالأساطير السومرية والبابلية والألياذة والأوديسة وغيرها.
عُلا أحمد