تحقيقاتصحيفة البعث

أراد محاربة الفساد فأعفوه.. مدير مدرسة في طرطوس يكشف حالة تزوير موثّقة والمديرية تعتبر الإعفاء إجراء معتاداً!

طرطوس- محمد محمود 

رغم أن محافظة طرطوس مازالت تعد نموذجاً استثنائياً يحتذى بالتعليم والتفوق على مستوى القطر في كل عام، وواجهة تعليمية متقدمة ترفد باستمرار قطاع التعليم العالي بطلاب متميزين في مختلف المجالات التعليمية، إلا أن إشكاليات مختلفة كانت تتناهى إلى مسامعنا بين الحين والآخر، ويتم الحديث عنها في الكواليس، بخصوص قضايا فساد، وخلل في المنظومة التربوية، وترتبط باستمرار نشاط التعليم الخاص، والمحسوبيات التي تحدث بنقل وتثبيت المدرّسين، والتلاعب بالأوراق الامتحانية للطلاب في حلقات التعليم الأساسي!.. وربما يكون ما وصل للبعث من وثائق وأدلة تؤكد التزوير والتلاعب بالعلامات الامتحانية لمادة العلوم في الصف السابع بمدرسة حطين نهاية الموسم التعليمي الماضي، والشكاوى المستمرة عن الدروس الخصوصية وتوظيفها للمصلحة الخاصة لبعض المدرّسين، جزءاً من هذه السلسلة التي انتهت بإعفاء مدير تلك المدرسة، رغم السمعة الحسنة والجيدة التي يتمتع بها، والتقييم الإيجابي الذي حظي به في سنوات سابقة، والتميّز الذي حققته مدرسته بنسب النجاح في الثانوية العامة أكثر من مرة.

خصوصية تعليمية 

مدير المدرسة المعفى علي سعيد أوضح لـ “البعث” أن لمدرسة حطين التي عمل بإدارتها سنوات متتالية خصوصية عن باقي مدارس طرطوس من ناحية الإمكانية المادية الجيدة لأهالي طلابها، ما يسبب إغراء عدد كبير من المدرّسين فيها بتحويل الطلاب لمنازلهم، وتقديم الدروس الخصوصية لهم، أو العمل لإمكانية الانتقال إليها من المدارس الأخرى، لكنه يبيّن أنه عمل على محاربة هذا الأمر باستمرار، ويقول: جاءت إلي أكثر من شكوى موثقة بخصوص التعليم الخاص في المنازل من قبل الأهالي على بعض المدرّسين في المدرسة، وهي شكاوى موثقة، ولكن لم نتمكن من إثباتها لخوف أولياء الأمور والطلاب من نتيجة الشكوى على المدرّسين، والتسبب برسوبهم أو النقمة عليهم.

ويضيف المدير المعفى: إن هناك شكوى للإدارة تقدم بها أحد أهالي الطلاب نهاية الفصل الأول للموسم التدريسي الماضي بخصوص أخطاء بتصحيح ورقة امتحان العلوم لابنته، تم بنتيجتها التحقق من الموضوع، وتدقيق الأوراق الامتحانية، فتبيّن وجود أخطاء ببعض الأوراق في نقل العلامات من الورقة إلى الجدول أعلاه، إضافة لخطأ في سلم التصحيح، وخطأ كبير أيضاً بنقل علامات الأوراق إلى المحصلات، وكان التصرف السليم والمناسب حينها رفع كتاب لمدير التربية، حيث تم تشكيل لجنة حققت بالموضوع، وأثبتت الواقعة، وكانت برئاسة الأستاذ نديم الليمون الموجّه الاختصاصي لمادة العلوم، وكان ما حدث خطأ كبيراً سببه الفساد والإهمال، ويمكن أن يودي بسمعة المدرسة، وسمعة مدارس طرطوس أيضاً، ويضيف: في ذلك الوقت تم نقل المدرّسة المخطئة لمدرسة أخرى في منطقة وادي الشاطر، لكن الأمر لم يمض بسلام، إذ تم التوعّد لي من قبل المدرّسة المنقولة بالعمل على إعفائي ونقلي من المدرسة، وبشهادة عدد من المدرّسين حيث قامت بالتهديد أمامهم.

إنذار مسجل 

ويضيف المدير: في بداية الموسم التعليمي الحالي فوجئت بإعفائي من مهمتي بالإدارة لمدرسة حطين دون أية أسباب واضحة أو مفهومة للإعفاء، وتم نقلي لأمانة السر في مكان مجاور لقريتي احتراماً للسنوات الماضية التي قضيتها، وفوجئت أيضاً بعودة المدرّسة المعاقبة لمدرسة جديدة لا تقل خصوصية عن مدرسة حطين، وهي مدرسة “خليل خليفة”، والمفترض أنها تخضع لعقوبة على خلفية التزوير الحاصل بأوراق امتحان مادة العلوم، كما تلقيت إنذاراً خطياً مسجلاً مرتبطاً بواقعة التزوير، ومضمونه: يعاقب المدرّس علي سعيد بالإنذار الخطي المسجل للخطأ الحاصل بنقل محصلات مادة العلوم قبل تدقيق الأوراق، علماً أنه لا يوجد خطأ بنقل العلامات المدققة من المحصلات إلى الجلاء، وأنني من قام بالإخبار عن واقعة التزوير أصولاً، وأن التزوير ما كان يمكن اكتشافه لولا شكوى أحد أولياء الطلاب، وتمت سرقة أوراق الامتحان المرتبطة بواقعة التزوير من أمانة السر، لكن هذا الإجراء كان متأخراً ولاحقاً لإثبات الواقعة، حينها قمت مباشرة بالاعتراض على الإنذار أصولاً، كما حاولت الاستفهام عن سبب إعفائي من مهامي، فقيل لي إنها شكاوى كثيرة، دون أية مبررات منطقية واضحة، وكان حرياً بمن قام بإعفائي أن يتحرّى عن صدق هذه الشكاوى، أو يقوم بإثباتها في حال كانت صحيحة، وهناك من احتج أن السبب هو الفترة الطويلة التي قضيتها مديراً للمدرسة، وهي ثماني سنوات، علماً أن هناك مديرين في بعض مدارس طرطوس تجاوزت مدة إدارتهم عشر سنوات، ولما يتم إعفاؤهم بعد، ويختم علي سعيد: لدي سجل نظيف مئة في المئة، وكنت بعيداً تماماً عن موضوع التدريس الخاص، وحاربته سنوات طويلة، وكل من يعرفني في المدرسة يشهد من أهال ومعلمين، باستثناء المدرّسين الفاسدين الذين كنت أقف حجر عثرة في طريقهم، فالمدرسة كانت بمثابة منزلي الذي أعتني وأهتم به وبسمعته، ولو كنت بخلاف ذلك لما تجرأت على الشكوى وفضح ما حصل من فساد.

أسباب مختلفة

“البعث” تواصلت مع مديرية التربية في طرطوس، ومع جهات أخرى على صلة بموضوع الإعفاء بحثاً عن أسباب مباشرة لما حدث مع المدير علي سعيد، ولسماع وجهات نظر أخرى حول ما حدث في المدرسة، فلم نجد أية أسباب مباشرة أو أي تقصير مثبت يخص المدير المعفى.

مدير التربية علي شحود أكد في حديثه لـ “البعث” أن موضوع الإعفاءات أو التنقلات التي تحدث في مديرية التربية في بداية كل عام هو إجراء سنوي معتاد، وليس خاصاً بمدرّس بعينه، ويكون بناء على تقييم وقرار لجنة سداسية مشكّلة من جهات مختلفة، وعليه فإن موضوع الإعفاء لا صلة له بأية أسباب أخرى، فالأمر تكليف بمهمة، ويمكن أن ينتهي في أي وقت دون ارتباطه بأسباب مباشرة، حيث هناك أكثر من عشرين مديراً تم إعفاؤهم بداية هذا العام، وأن المدرّس المذكور تم تكريمه ونقله لمكان مجاور لقريته، مضيفاً أن شكاوى عدة قدمت ضده من قبل عدد من المدرّسين، فالإدارة مهمة وليست وظيفة، وهناك جهات رقابية مهمتها التدقيق بأي خطأ حاصل ومتابعته، وفي حال شعر المدرّس المذكور بأي ظلم فيمكنه مراجعتها والشكوى لها.

وجهة نظر

أياً يكن ما حدث بموضوع إعفاء مدير مدرسة حطين، وسواء كانت لإقالته صلة مباشرة بموضوع الفساد الحاصل بمدرسته أو لا، يبقى ما حدث مؤشراً خطيراً لجهة كشف التزوير والتلاعب بالأوراق الامتحانية في تلك المدرسة، واستمرار موضوع التدريس الخاص، والتلويح به كورقة لنجاح الطلاب، وهو ما يحدث ربما في مدارس أخرى كثيرة بالمحافظة وغيرها، ويتطلب إجراءات إدارية حاسمة من وزارة التربية لضبط العملية التربوية المتعبة من سنوات الحرب الطويلة، وإبقاء السمعة الحسنة للمدارس السورية، فالتعليم الناجح جوهر نجاح المجتمع وتفوقه، وهو ما نرجو بقاءه واستمراره، بمحاربة كل المسببات التي تؤذي العملية التربوية.