“بايدن” و”أبو بلال التركي”.. وثالثهما “الجولاني”
أحمد حسن
أخيراً، وبعد محاولات عدة وتنازلات واختلاق أزمات، دبلوماسية وعسكرية، نجح مسعى السلطان التركي والتقى “السيد الأبيض” على هامش اجتماعات قمة العشرين.
في بعض ما تسرب أن “بايدن” حذر “أردوغان” من “أن أي تصرفات متهورة لن تفيد العلاقات الأميركية التركية وأنه يجب تحاشي الأزمات”!!.
الرجل، أي أردوغان، متهور بطبعه ولا يعيش إلا على الأزمات، وبالتالي لا فائدة من التحذير، لأنه، وهذا الأهم، لم يكن يريد من اللقاء سوى “الصورة” ليضيفها إلى أسلحته في حروبه الداخلية والخارجية.
في سعيه لـ”الصورة” -هذه وغيرها- فعل الكثير. مثلاً، ورغم تراجعه لاحقاً، إلا أنه هدد، قبل حصوله عليها، بطرد عشرة سفراء غربيين دفعة واحدة، وتلك صورة الرئيس القوي والمستقل و”الندّ” التي حاول رسمها قبل لقاء “قائد عالمي” مثل “بايدن”.
صورته الحقيقية بعدها لا تعنيه كثيراً، خاصة إذا تذكرنا أنه استبق “صورة” لقائه قائداً عالمياً أيضاً مثل “بوتين” بسقوف عالية في محيط روسيا الاستراتيجي وحتى “حديقتها الخلفية” المحرّمة، ثم اضطر، آسفاً، للتخلي عن بعض رفاق “الجهاد” في ادلب لمصلحة آخرين، وأهمهم “واليه” هناك، “أبو محمد الجولاني”، وتلك صورة السياسي الانتهازي الغادر بـ”رفاقه” لمصلحته الشخصية. صورته المذلّة هنا لا تعنيه أيضاً.
بيد أن الصورة الأبلغ تعبيراً عنه هي التي لم تنشر بعد وتجمعه مع “واليه” في ادلب، أبو محمد الجولاني، الذي فك عنقه من بيعة “الظواهري” العلنية وبيعة “البغدادي” السريّة، وألزمها وطوّقها ببيعة “أبي بلال التركي”، المعروف باسم رجب طيب أردوغان، ليعيّنه هذا الأخير، بعدها، أميراً على ولاية ادلب كما كان محمد مرسي أميراً على ولاية مصر.
هنا، فقط يمكن لنا فهم أسباب وأهداف ما حدث في ادلب منذ أيام من احتراب بين أخوة العقيدة، قاده “الجولاني” شخصياً، فهو تنفيذ “أمين” للبيعة ومقتضياتها بهدف إخراج “الخليفة” في أنقرة من مأزقه و”تبييض” وجهه أمام “بوتين”، الشريك الآخر في اتفاق “سوتشي” الشهير الذي ماطل “التركي” طويلاً في تنفيذه اعتماداً على قدرته في اللعب على توازنات العلاقة “التنافسية” المعقدة بين موسكو وواشنطن دولياً وانعكاساتها على الأزمة السورية.
التوازنات ذاتها، وميلها في المنطقة تحديداً، نحو روسيا، معطوفة على إنهاء الجيش السوري لملفات عسكرية عدة في أماكن أخرى وتفرغه لـ”ادلب”، هي من دفع “أبي بلال” نحو الظهور بصورة من ينفذ التزاماته، ولو متأخرة أعواماً عدة، لكنه أيضاً، ولقناعات أيديولوجية “طورانية” عميقة و”هلوسات” شخصية، لا يريد التسليم بكل شيء رغم كلامه العلني عن التزامه بوحدة الأراضي السورية وسلامتها، لذلك كلّف “واليه” في ادلب بإخراج بعض “المؤلفة قلوبهم” منها – وبعضهم للمفارقة قاتل تحت إمرته في مناطق عدّة – باعتبارهم “الإرهابيين” المطلوبة رؤوسهم، ليضرب بذلك عصفورين بحجر واحد، أولهما يبدو من خلاله كمنفذ لالتزاماته، وثانيهما يقدم “واليه” كرجل محارب للإرهاب، وبالتالي كمعتدل يمكن القبول به دولياً للمشاركة، باسم سيده بالطبع، في العملية السياسية السورية، وذلك، للحق، هدف أمريكي أيضاً تشي به صورة الجولاني الشهيرة باللباس الرسمي مع صحفي أمريكي وهو يتحدث عن الحقوق والحريات كـ”الرجل الأبيض” تماماً!!.
وبالطبع فإن “التركي” لم يقتصر في تعامله على الجولاني فهو يتعامل أيضاً مع “البغدادي”، وإذا كنا في سورية قد كشفنا ذلك ومنذ أمد طويل، فإن الأوروبيين قد كشفوا ذلك مؤخراً عبر تقرير سري لـ”وحدة الاستخبارات” أكد أن اتفاق “أردوغان” و”داعش” امتد نحو الأراضي التركية ذاتها حيث قام الثاني بتكليف عناصره تنفيذ تفجير انتحاري في أنقرة لصالح الأول عام 2015.
أن لا يتهور أردوغان، وأن يتحاشى الأزمات، فهذا يعني أن لا يكون ذاته، وذلك رابع المستحيلات الشهيرة دون أي شك.