صفقة توماهوك الأمريكية الأسترالية يمكن أن تثير “حرباً باردة جديدة”
عناية ناصر
أعلنت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا قبل أسابيع عن إنشاء شراكة أمنية تُسمّى “اوكوس”، لكن التعاون العسكري بين الولايات المتحدة وأستراليا لم يتوقف عند هذا الحدّ. فوفقاً لعقلية الحرب الباردة لحكومتي البلدين، ناقش البلدان أعمالهما الصاروخية، حيث تعتزم كانبيرا السماح لواشنطن بنشر قاذفات استراتيجية، مقابل مساعدتها في تطوير أسلحة الضربات الدقيقة بعيدة المدى. وكخطوة أولى، ستشتري أستراليا صواريخ كروز الأمريكية من طراز توماهوك.
صواريخ توماهوك كروز هي أسلحة هجومية استراتيجية طوّرتها الولايات المتحدة، وقامت باستخدامها لأول مرة في حرب الخليج في 1990-1991، بأكثر من 200 قصف لأهداف في العراق، ما أدى إلى كارثة إنسانية. وفي الحروب التالية في يوغوسلافيا وكوسوفو وليبيا وسورية، أصبحت صواريخ توماهوك الأداة الرئيسية لتخريب البلدان الأخرى، إذ ساهمت بشكل كبير في استخدام الولايات المتحدة للجيش في الخارج، وأصبحت مرادفاً للتدخل الأمريكي الغربي.
توماهوك هي عصا كبيرة لغزو وترهيب البلدان الأخرى، والولايات المتحدة ليست على استعداد لبيعها لدول أخرى باستثناء المملكة المتحدة، الحليف الأقرب للولايات المتحدة. لكن هذه المرة، ومن أجل احتواء الصين عسكرياً، لم تتردّد الولايات المتحدة في تقديم توماهوك لأستراليا. في السنوات الأخيرة، لعبت أستراليا مراراً وتكراراً بطاقتها المعادية للصين للحصول على دعم من الولايات المتحدة، لكن أستراليا تحيط نفسها بحزام ناسف وهي ستعاني في النهاية.
فيما يتعلق بمنع انتشار الصواريخ بعيدة المدى، لم يتوصل المجتمع الدولي بعد إلى قانون دولي قابل للتطبيق عالمياً. في ظل هذا الظرف، كان على جميع الدول أن تتبنى موقفاً منضبطاً وحذراً ومسؤولاً في نقل الصواريخ. يجب أن تتخذ إجراءات ملموسة للحفاظ على السلام والاستقرار الدوليين، لكن صفقة توماهوك بين الولايات المتحدة وأستراليا تتعارض مع ذلك. تقع أستراليا في جنوب المحيط الهادئ وتتمتّع ببيئة جغرافية متفوقة، وهي لم تتلقَ أي تهديدات أمنية كبيرة، وإدخال توماهوك يفوق بكثير احتياجات أستراليا الدفاعية، ومن المحتّم أن يثير معارضة الدول المجاورة وتخوفها.
وقد كشفت هذه الخطوة للمجتمع الدولي نفاق “قواعد منع الانتشار” الأمريكية، فنظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ (MTCR) عبارة عن دائرة صغيرة من ضوابط التصدير التي تمّ وضعها تحت قيادة الولايات المتحدة. وينصّ نظام التحكم بتكنولوجيا الصواريخ على أن أنظمة الصواريخ التي يبلغ مداها أكثر من 300 كيلومتر وحمولتها 500 كيلوغرام يجب أن تخضع للقيود. فرضت الولايات المتحدة وأستراليا قيوداً عديدة على الدول الأخرى، لكنهما نقلتا صواريخ متقدمة داخل دائرتهما بلا ضمير، وهذه بلا شك معايير مزدوجة!.
هناك حاجة إلى اليقظة والحذر لأن توماهوك قد يكون في الواقع صاروخ كروز نووي خطير للغاية. ففي السنوات الأخيرة، سعى الجيش الأمريكي لتطوير أسلحة نووية تطلق من الغواصات ويتحكم بها من قواعد فضائية.
قد تكون صفقة صواريخ توماهوك غيضاً من فيض، فقد أعلنت أستراليا في آذار أنها ستتحرك لإنتاج صواريخها الموجّهة بموجب خطة تبلغ قيمتها مليار دولار أسترالي لإنشاء منشأة أسلحة جديدة مع شركة تصنيع أسلحة عالمية. في السنوات الأخيرة، عزّزت الولايات المتحدة وأستراليا التعاون العسكري في مجالات مثل مكافحة الصواريخ والفضاء الخارجي والفضاء الإلكتروني، كما طوّر البلدان بشكل مشترك صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت، وستفتح هذه الأعمال حتماً صندوق باندورا لسباق التسلح الإقليمي.
لطالما اعتبرت الولايات المتحدة نفسها حارساً للسلام العالمي، لكنها كثيراً ما كانت تتدخل بالقوة في البلدان الأخرى، وقد حقّقت سلسلة مبيعات أسلحة ضخمة وأرباحاً ضخمة منها. فعلى مدى السنوات الخمس الماضية، احتل الحجم الإجمالي لصادرات الأسلحة الأمريكية المرتبة الأولى في العالم، إذ شكّلت 37 بالمائة من إجمالي المبيعات العالمية. ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ هي المنطقة التي يوجد فيها أكبر قدر من واردات الأسلحة، وأستراليا وحلفاء آخرون للولايات المتحدة من بين أكبر 10 مستوردين للأسلحة على الصعيد الدولي. من المتصوّر أنه في ظل تحفيز مبيعات الأسلحة بين الولايات المتحدة وأستراليا، ستزيد دول آسيا والمحيط الهادئ من وارداتها من الأسلحة، وهذا بالضبط ما تريده الشركات العسكرية الأمريكية وتجار الأسلحة. لقد أعلنت الولايات المتحدة أنها لا تسعى لحرب باردة جديدة، لكن ذلك كان تصريحاً يستفزّ المرء. لهذا السبب تأكد أن أمريكا هي أكبر مدمّر للاستقرار العالمي، كما عارضت الولايات المتحدة وأستراليا المدّ التاريخي للسلام والتنمية.