العقوبات سلاح عدواني عشوائي بطبيعته
عناية ناصر
اختتمت إدارة بايدن مراجعتها الطويلة جداً لسياسة العقوبات الأمريكية، وكانت النتائج غير مشجّعة على الإطلاق. لا يوجد سبب كافٍ لتوقع تغيير كبير في الاستخدام المتكرر للعقوبات الواسعة، فقد استمرت مراجعة العقوبات طوال العام، لكن الولايات المتحدة أبقت على جميع عقوبات عهد ترامب المفروضة كجزء من حملات “الضغط الأقصى” الفاشلة على إيران وفنزويلا وكوريا الشمالية، ومؤخراً على سورية.
لقد أدّى رفض الإدارة لتقديم تخفيف رمزي للعقوبات في خضم الوباء، إلى مزيد من الضرر وعرقلة الجهود المبذولة لإنقاذ الاتفاق النووي مع إيران، كما تسبّب استمرار حروب ترامب الاقتصادية ضد جميع هذه البلدان بمزيد من البؤس لعشرات الملايين من الناس العاديين الذين كانوا يعانون بالفعل من ظروف مروعة. يجب أن تصل المراجعة الصادقة لهذه السياسات إلى الإقرار بأن استخدام الحرب الاقتصادية العشوائية على دول بأكملها هو عدوان غير عادل ووحشي. لن تتنصل إدارة بايدن من استخدام السلاح الاقتصادي عندما تكون أهداف سياستها غير مرنة وغير واقعية إلى حدّ كبير مثل أهداف الإدارة السابقة.
من المعروف أن العقوبات الواسعة لا تحقق الأهداف التي حدّدت لها، لكن أهم سبب لعدم استخدام أي حكومة لهذا السلاح هو أنه يتسبّب دائماً بإلحاق أضرار جسيمة بالأبرياء. وبهذا المعنى، لا يهمّ ما إذا كانت هذه العقوبات “فعالة” أم لا، لأن استخدامها ضد السكان المدنيين يعدّ أمراً إجرامياً، فالعقوبات الواسعة هي شكل من أشكال العقاب الجماعي من حيث أنها تطال كل شخص في بلد ما لمعاقبته على تصرفات حكومته، ومثل الأنواع الأخرى من العقاب الجماعي، فإنها تستهدف المذنبين والأبرياء على حدّ سواء. إنها عشوائية بطبيعتها، وتهاجم اقتصاد بلد آخر بأكمله عن قصد. وكلما كانت أكثر شمولية، زاد تأثيرها المدمّر على الناس، حيث يقع عبء العقوبات على عاتق الأضعف والأكثر ضعفاً بينما يكون لها تأثير أقل على الأقوياء، وبالتالي يعاقبون الأبرياء أكثر على الأشياء التي لم يفعلوها ولا يستطيعون السيطرة عليها.
العقوبات الواسعة ليست أكثر من وسيلة لأقوى دولة في العالم، للدوس على دول أضعف بكثير في محاولة عبثية لإجبارها على الاستسلام لشروط واشنطن، التي تكون عادة شديدة التطرف بحيث لا توافق عليها أي حكومة. المشكلة المركزية في هذا التصرف لإجبار الدول الصغيرة على الطاعة، هي أنها ممارسة تعسفية وإمبريالية ذات أهداف خاطئة. إن الدول التي تستهدفها الولايات المتحدة بأقسى العقوبات هي الأقل احتمالاً للرضوخ لمطالب الولايات المتحدة، لكن واشنطن تصرّ على خنق شعوبها على أي حال.
تشكّل العقوبات أداة جاهزة يستخدمها صانعو السياسة الأمريكيون، للضفط على الدول الأخرى، بينما تتظاهر الإدارات الأمريكية “بالوقوف إلى جانب” الناس الذين يفقرونهم ويقتلونهم.
وفي رسالة أخيرة، ندّد البابا فرنسيس بالعديد من الممارسات الاستغلالية والقاسية حول العالم، والتي كان من أهدافها استخدام الحرب الاقتصادية التي تضرّ الأبرياء، ودعا الدول القوية إلى وقف العدوان والحصار، والعقوبات أحادية الجانب ضد أي دولة في أي مكان على وجه الأرض، قائلاً “لا للاستعمار الجديد”. لم تذكر الرسالة الولايات المتحدة بالاسم، لكن ذلك لم يكن ضرورياً، إذ لا توجد حكومة أخرى تشارك بشكل روتيني في حرب اقتصادية عدوانية ضد دول أخرى مثل الولايات المتحدة، ولا توجد دولة أخرى لديها النفوذ المالي لاستخدام سلاح العقوبات لإحداث مثل هذا التأثير المدمّر على الدول الأضعف.
هناك بعض الدلائل المشجّعة على أن كثيرين في واشنطن بدأوا في الاستيقاظ من القسوة التي لا طائل من ورائها للعقوبات الواسعة. هناك تعديل لقانون تفويض الدفاع الوطني من شأنه أن يتطلّب من مكتب المساءلة الحكومية تقديم تقرير للكونغرس عن الأثر الإنساني لهذه العقوبات. حتى الآن، لم تحقق الحكومة في مدى الضرر الذي أحدثته سياسات العقوبات. قد يكون هذا التعديل خطوة صغيرة في الاتجاه الصحيح لتوثيق ما تفعله العقوبات الأمريكية على البلدان الأخرى، لكن ذلك سيحتاج إلى متابعة بإجراءات بعيدة المدى. يجب على الأمريكيين أن يقبلوا بما لا يقلّ عن الرفض الكامل للعقوبات الواسعة كأداة للسياسة الخارجية.
ليس للولايات المتحدة الحق في تجويع وقتل الناس في البلدان الأخرى عندما تقوم حكوماتهم بأشياء تزعج القادة السياسيين الأمريكيين. عندما تفرض الإدارة الأمريكية عقوبات واسعة على دولة أخرى، يجب على جميع الأمريكيين أن يفهموا أنها تعلن حرباً عدوانية تمارس باسم الشعب الأمريكي على الناس الذين يعيشون هناك.
لا يزال ضحايا الحروب الاقتصادية الأمريكية غير مرئيين إلى حدّ كبير بالنسبة لأمريكيين العاديين، لكن حياتهم دُمرت أو انتهت بسبب سياسات الحكومة الأمريكية. ومن مسؤولية الأمريكيين كبح جماح حكومتهم ومنعها من ارتكاب هذه الجرائم ضد الأبرياء في جميع أنحاء العالم.