كيف تصنع كاتباً؟
غالية خوجة
ليس كل كاتب بمبدع، لكن، هل من الممكن أن نصنّع كاتباً؟
تتعدد المواهب، فمنها ما يبزغ سريعاً، ومنها ما يحتاج إلى اهتمام وصقل ورعاية لتحاول البزوغ، فكم من موهبة وئدتْ، وكم من موهبة أشرقت.
وتظهر الموهبة في موطنها الاجتماعي الأول، الأسرة، ثم المدرسة والجامعة والحياة، ولا بد من وعي توجيهي بعد اكتشافها لتستمر، ومن الممكن ردفها بورشات تدريبية في الأماكن الثقافية والفنية المخصصة، إضافة لتخصيص الجهات التربوية والتعليمية والثقافية وقتاً للمطالعة والقراءة، من أجل الاستفادة الواعية من القراءة، ثم تأثيراتها على الموهبة ولنفترض أنها الكتابة، فكيف لنا أن نساهم في تأسيس الكاتب المستقبلي؟
الورشات لا تعني سوى الإشراف وتوجيه الموهبة إلى مجالها المغناطيسي الأبجدي، وكيفية صياغة النص الذي تكتبه بفنيات وجماليات من خلالها تتمّ صياغة المعنى والشبكة الدلالية لأن النص لا يكتمل إلاّ بروحه المتحركة، المتغيرة، السابحة في العمق، أي لا بد من صياغة النص اللا مكتوب، واللا مرئي، صياغة جمالية.
وهذه الفنيات بحاجة إلى خبرة لا يمكن تفعيلها إلاّ من خلال الفعل القرائي في جميع المجالات الإبداعية والثقافية والمعرفية والعلمية والنقدية إلى جانب ممارسة الفعل الكتابي، ولأن مدارسنا ومناهجنا التعليمية لا تحيل الطلاب إلى مراجع منذ الدراسة الابتدائية وما بعدها، فلا بد من التوجيه لقراءة المراجع والكتب الهامة التأسيسية من أمهات الكتب النادرة عبْر الأزمنة، لتساهم في صياغة النص المكتوب وهو يعبر تجربته الأولى، لتترسخ المقومات الأساسية، ثم تظهر عليه ملامح الجنس الأدبي.
وبكل تأكيد، تختلف الخاطرة السيرية عن الشعرية والسردية والحكائية، كما تختلف المقالة الإبداعية عن العلمية والصحافية والأدبية، وبالتالي، يختلف السيناريو المسرحي عن الإذاعي والتلفازي والسينمائي، ويختلف السيناريو الخاص بالفيديوهات والفيديو “كليب”، كما يختلف السرد المعتمد على الصورة عن المعتمد على الصورة المتحركة، وتختلف القصة عن القصة القصيرة جداً، والمتوسطة، والطويلة، وتختلف الرواية عن القصة والحكاية، ويختلف مجالها من تأريخية توثيقية إلى سيرية إلى واقعية أو واقعية سحرية أو خيالية أو علمية أو سوريالية أو شعرية، ويقيناً، يختلف الشعر على صعيد الثيمة الموضوعية والفنية والجمالية.
وأياً يكن من نص أمامنا، فلا بد أن يتضمن الأبجدية الأولى للجنس الأدبي، فعناصر ومقومات الشعر تختلف عن عناصر ومقومات السرد عن عناصر ومقومات النقد، وهذا بديهي، لكن، ليس على من يخوض التجربة الكتابية الأولى، الذي يحتاج إلى بوصلة صادقة وصافية، لتحدد له الاتجاه، وتترك له حرية الإبحار والاكتشاف، وبالمقابل، لا بد لهذه البوصلة أن تضيء، فالخير فيمن يعلّم الإنسان كيف يصطاد لا أن يعطيه السمكة، ثم يغدر به، ويتركه للفناء.
لكن، ماذا عن الوسائل التكنولوجية التي تقدم هذه الورشات من خلال الفضاء الافتراضي؟
هناك العديد من الوسائط والوسائل الافتراضية التي تدير عقول الناس، وأغلبها يدس السمّ في الدسم، فلماذا لا تبادر الجهات المختصة في إنشاء مثل هذه المواقع سواء على تويتر أو الفيس بوك أو اليوتيوب وغيرها؟
بلا شك، تنال مواقع الجهات المختصة الموثوقية من قبل المتعاملين معها، سواء داخل سورية أو خارجها، ولذلك، لا بد من التعامل الذكي مع العقول كي لا تكون فريسة في شباك العنكبوت، رغم أنها الأوهن، إلاّ أن تأثيرها قد يكون قوياً لا سيما على الجيل الشاب، ونلفت نظر الجهات الثقافية والفنية المختصة إلى ضرورة تبنّي الورشات الواقعية والافتراضية المجانية أو بأسعار رمزية للكشف عن المواهب مع المحافظة على قيمها وهويتها الأصيلة.