فوضى وتشويش في مالية طرطوس.. قانون البيوع العقارية جيد لكنه غير واضح..!.
لا ينكر أحد أن قانون البيوع العقارية فيه العديد من المزايا والإيجابيات، أقلها تحقيق عدالة ضريبية وقيم تخمينية عادلة تعود بالفائدة على خزينة الدولة، وربما تقلّل من حالات الفساد وسوء التخمين المحكوم وفق مصالح المخمّنين وقدرتهم على التلاعب بما كان يسبّب خسائر كبيرة للمال العام.
لكن بالمقابل هناك من يرى العديد من المنغصات تسبّبها البنية التحتية غير الجاهزة لتطبيقه، وإنجاز المعاملة بالوقت المناسب، وذلك لعدم انتظام التيار الكهربائي، وكذلك مشكلات الربط التقني بين مديريات المال والوزارة التي يدفع ثمنها كلا الطرفين (موظفو المالية والمواطن)، وذلك من خلال ما يتعرّضون له من “تلف” للأعصاب جراء الإجراءات المركزية وما يصدر من تعاميم متلاحقة، كل ذلك يحول دون قدرتهم على فهم أو تطبيق التعميم الأول ليعاكسه تعميم لاحق، عدا عما يتعرّض له المراجعون، حيث تكثر “همهماتهم وتمتماتهم”، وكأنهم يتجادلون مع أنفسهم خلال نزولهم أو صعودهم أدراج مالية طرطوس!!.
حديث المراجعين
من خلال استطلاع “البعث” لآراء عدد لا بأس به من المراجعين لمالية طرطوس، وتحديداً أثناء الشهر الأول من بدء تطبيق القانون، اعتبره الكثيرون قانوناً مثيراً للجدل في ظلّ ما يتعرّض له المواطن من زحمة المشكلات ليطلّ القانون “بمقصلته” كما يراها البعض، حيث كان القاسم المشترك لمجمل ملاحظاتهم أن القانون المذكور غير واضح وفيه الكثير من الغبن والظلم، ولاسيما عند الذين قد يضطرون لبيع منزل وربما لا يملكون سواه مقابل تعليم أبنائهم في جامعة خاصة أو مساعدة أبنائهم بالسفر خارج البلاد لسبب أو لآخر، إضافة لمشكلات أخرى مختلفة.
يقول أبو أيوب شارحاً معاناته لـ”البعث”: اضطررت لصعود درج المالية بين الطابق الأرضي والطابق الرابع لأكثر من خمس مرات خلال هذا اليوم المشؤوم من أجل الحصول على قيمة تخمينية لعقار وسط حيّ شعبي ضمن المدينة، فتارة يقولون لي: لا توجد شبكة، وتارة أخرى يقولون: ألا ترى زحمة المراجعين؟ وأحياناً يحبطك الموظف بقوله: عذراً منك يوجد خطأ تقني، حيث اتضح للموظف أن ذات العقار وبذات الرقم موجود في منطقة باب توما بدمشق. ويضيف أبو أيوب متهكماً: يا ريت عندي منزل بدمشق لكانت الأمور “شغلة كبيرة” بالنسبة لي.
بدوره شكا معقّب معاملات من مزاجية الموظف، وكذلك الفوضى الحاصلة للحصول على قيمة تخمينية، حيث المشكلات والأخطاء الكثيرة، مترحماً على العمل بالنظام اليدوي الذي كان “أريح وأسلس”، حسب قوله.
وتأييداً لذلك فضّل بعض الموظفين في المالية التريث بتطبيق هذا القانون لحين تجهيز البنية التحتية دون إخفاء الكثير من مزاياه، ومنها سرعة الحصول على المعلومة ودقتها وتحقيق عدالة ضريبية بحسب شريحة كل منطقة وغيرها الكثير والكثير.
المكاتب العقارية
أيضاً تباينت آراء العديد من أصحاب المكاتب العقارية ومعقبي المعاملات حول مزايا القانون، فمنهم من اعتبر أن الوقت ليس مناسباً لتطبيق هكذا قانون عصري لجملة من الاعتبارات بحسب رأيهم، لعدم جاهزية البنية التحتية، وبعضهم رآه يحمل في مضامينه “قطع رزق” للعديد من أصحاب المكاتب، وكذلك المخمنين العقاريين، ولاسيما في محافظات كبيرة مثل دمشق أو ريفها وحلب، لأن سوق العقارات في تلك المحافظات له حضوره القوي وقدرة فائقة على التحكم بالكثير من حركة البيع والشراء، خلاف الأمر في محافظة صغيرة مثل طرطوس فإن الوضع ليس بهذا الحضور والتأثير القوي رغم بعض الحركة خلال السنوات القليلة الماضية لأكثر من سبب وسبب.
المالية توضح..
أمام هذه الآراء المتناقضة كان لا بد من الوقوف على رأي مدير مالية طرطوس، لذا أرسلنا فاكساً يتضمن طرح العديد من الأسئلة والعناوين حول مزايا قانون البيوع الجديد وبعض ملاحظات ممن التقيناهم، بما فيهم بعض موظفي المالية، ولكننا لم نحصل على أي ردّ بسبب عدم إرسال وزارة المالية موافقتها للإجابة أو التصريح، ومع ذلك فقد توفرت لـ”البعث” الكثير من المعطيات من قبل مصدر مطلع، حيث بيّن أهمية هذا القانون كقدرته على التخلّص من المضاربات العقارية، وتحقيق العدالة بين كافة شرائح المجتمع، وإبعاد العنصر البشري الفردي من مسألة التخمين كما كان الوضع عليه سابقاً، والتخلّص بشكل كبير من دفع الرشاوى بهدف تخفيض قيمة التخمين لدى دوائر المالية بخلاف الواقع وما يستحقه العقار، إضافة لتأمين مداخيل حقيقية ومستحقة لخزينة الدولة من هذا السوق بشكل عادل ومنطقي، يعتمد على القيمة الرائجة الحقيقية وليست الخلبية المتّبعة على الورق فقط.
ولفت المصدر إلى أنه وبخلاف كلام البعض فإن القانون بعد مضي أكثر من أربعة أشهر على تطبيقه أدى لحدوث استقرار منطقي في سوق العقارات بعد هرج ومرج خلال الأيام الأولى لصدوره، وهذا من الطبيعي حدوثه لجملة من المبررات بعضها مقنع وبعضها مبالغ فيه أو ربما قد يكون صحيحاً، ولكن يعكس نوايا ليست بريئة ولمصالح شخصية ضيقة، سواء لجهة بعض الموظفين أو حتى معقبي المعاملات العقارية وأيضاً المواطن الذي كان يعتقد أن هذا القانون ظلمه من خلال آلية جديدة غير واضحة له رغم مزاياها، سواء لجهة الدولة وخزينتها أو بالنسبة له. وبيّن المصدر أن ضمان عدالة القيمة التخمينية الجديدة تأتي من خلال لجنة أولى تضمّ ممثلين من المالية ونقابة المهندسين والوحدة الإدارية ومقيّم عقاري، وهذه اللجنة هي التي تحدّد سقف التخمين، بالإضافة للعديد من المزايا الأخرى.
ولم يخفِ المصدر وجود بعض الصعوبات المرافقة، كعدم انتظام التيار الكهربائي وكذلك آلية الربط وعدم وجود شبكة اتصال بالانترنت بشكل دائم ومستمر، علماً أنه ذكر أنه يتمّ تشغيل مولدة خاصة في المديرية عند انقطاع التيار الكهربائي، مخففاً من قدرة هذه الصعوبات المحدودة على إحداث بلبلة يومية تؤثر على وتيرة العمل والجهد المبذول للحصول على طلب المواطن بكل يسر وسهولة.
مؤشرات مشجعة
بحسب تقارير صادرة عن وزارة المالية لغاية 2\9\2021 بلغ مجمل عائدات البيوع العقارية أكثر من ألفي مليار ليرة على مستوى القطر، فيما أشارت التقارير الصادرة ذاتها عن توزع نسبة البيوع خلال فترة أسبوع فقط في طرطوس 7,9% والقيمة الرائجة نحو 8,6% فيما وصلت نسبة توزع عقود الإيجار إلى أكثر من 7,4% خلال الفترة المذكورة.
لتكتمل الصورة
بكل تأكيد وبحسب كلام المصدر فإن هذه الصعوبات المشار إليها باتت خلفنا، واليوم آثار القانون واضحة وتوجد مصلحة حقيقية للدولة في تطبيقه بالمقام الأول، وكذلك المواطن، وربما الرقم المعلن رسمياً من قبل وزارة المالية حول عائدات القانون خلال شهرين فقط يجعل القائمين عليه أكثر قوة للدفاع عنه وربما التباهي به وهم محقون في مكان ما، ولكن كان الأجدى دراسة كافة جوانبه الفنية والتنظيمية والعمل مع جهات وصائية عليا لتلافي هذه الصعوبات، وصولاً لتحقيق أرضية صلبة تعزّز مناعة الموظفين المكلفين وتخفّف عنهم وعن المراجعين الكثير من الأعباء.
ويبرزُ هنا سؤال: لماذا لا يكون هناك نافذة واحدة تخلّص البائع والشاري من “دويخة” المعاملات؟!!.
طرطوس- لؤي تفاحة