دراساتصحيفة البعث

مناورات “العلم الأزرق”.. ترهيب وتخويف بقوة فقدت تفوقها

د. معن منيف سليمان

 

تعد مناورة العلم الأزرق العسكرية التي تقوم بها أكثر من سبعين طائرة مقاتلة من ثمانية بلدان أكبر “عملية عسكرية دولية” في تاريخ الكيان الإسرائيلي، فبعد مرور أربع سنوات، قررت القوات الجوية الإسرائيلية العودة إلى تدريب محدد لتكون جاهزة ومستعدة لأي تهديد خطير من مختلف الجبهات.

تؤكد التسريبات أن “إسرائيل” تسعى من وراء هذه المناورات إلى ممارسة الضغوط من أجل ترهيب وتخويف طهران لدفعها إلى اتفاقية أكثر صرامة من اتفاق عام 2015، كما أكد خبراء إسرائيليون أن الدفاعات الجوية السورية شكّلت خلال الأعوام الثلاثة الماضية تعقيدات لمهام سلاح الجو الإسرائيلي في هجماته ضد أهداف داخل سورية، فضلاً عن أن المقاومة تمكنت من زيادة قدراتها الهجومية، وأصبحت تمتلك صواريخ عالية الدقة مضادة للإشعاعات، كما أنها تمتلك مسيّرات هجومية قادرة على اختراق منظومات الدفاع الجوي، وتنفيذ هجماتها بنجاح، وقد حصل ذلك بالفعل، وأثبتت إخفاق منظومة القبة الحديدية، ولدى المقاومة المزيد من الأوراق التي لم تكشفها بعد.

تشارك في هذه المناورة الدول السبع: فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا واليونان وبريطانيا والهند وايطاليا، ونحو (وليس حوالي) 1500 جندي، إلى جانب ست طائرات حربية من كل دولة، وطائرات حربية إسرائيلية.

تعد مناورة “العلم الأزرق” الأكبر في “إسرائيل” من حيث المشاركة الدولية، وهذه المرة الخامسة التي تُنظّم فيها “إسرائيل”، هذه المناورة التي بدأت عام 2013، بواقع كل عامين مرة، وبحسب الجيش، فإن الهدف منها هو “تعزيز التعاون الاستراتيجي والدولي، واكتساب الخبرات عبر آلية دمج استخدام طائرات الجيل الخامس والرابع، بخاصة في مواجهة سيناريوهات معقدة، وعدد من التهديدات، إلى جانب التدريب على طلعات جوية تكتيكية مشتركة، واستخدام تكنولوجيا متطورة”.

وتشمل المناورة التدريب على سيناريوهات معارك جو- جو، وأرض- جو، والتعامل مع تهديد صواريخ أرض- جو متقدمة، وسيناريوهات قتالية في عمق ساحة الحرب، إلى جانب مواجهة الطائرات المسيّرة.

وبحسب أحد المسؤولين العسكريين عن المناورة، فإن “إسرائيل” بدأت إجراء تغييرات في خطط تدريباتها ضمن الاستعداد لضربة ضد إيران، وهذه التغييرات لم تدخل إلى تدريبات الجيش منذ عام 2016، ووفق ما ذكر، يقف على رأس أولويات الخطة التي يعدها الجيش ضد طهران، توجيه ضربات مكثفة للمنشآت النووية الإيرانية.

وضمن الاستعداد لهذه الضربة، فقد تم شراء معدات لتنفيذ الهدف، وتعزيز الاستخبارات العسكرية حول هذه المنشآت، وتحسين منظومات الدفاع الجوي، وقُدّمت الخطة العسكرية إلى رئيس الأركان أفيف كوخافي، والموازنة التي تحتاجها بانتظار المصادقة عليها.

في سياق متصل، تعمل القيادة الإسرائيلية على إثارة الضغوط على إيران بعد تخلي الولايات المتحدة عن الصفقة النووية في عام 2018 من خلال ترهيب وتخويف طهران لدفعها إلى اتفاقية أكثر صرامة من اتفاق عام 2015.

وتشير تقارير أصدرتها مؤخراً القناة 12 الإسرائيلية إلى أن القوات الجوية تعيد تدريب كيفية قصف المنشآت النووية الإيرانية، وتشكّل تلك المنشآت تحدياً أكثر تعقيداً من التحدي الذي دمّر المفاعل في العراق عام 1981، نظراً لتنوعه الشديد تحت الأرض ووجود المدرعات.

يبدو أن مسار عودة الأمريكيين إلى الاتفاق النووي الإيراني وإلغاء العقوبات عن إيران أصبح مكتملاً، ينقصه فقط الإخراج المناسب لعدم إظهار الأمريكيين في موقف التراجع والرضوخ، وقد تتساهل إيران في هذا الموضوع، لأنها مهتمة أساساً بالمضمون المتعلّق بإلغاء جميع العقوبات عنها، من دون أن تتنازل في أي ملف آخر لم يكن أساساً ضمن شروط الاتفاق المذكور، والمقصود هنا نقطتان أساسيتان: الأولى تتعلق بقدراتها الصاروخية والنوعية الأخرى من بحرية أو مسيّرات، والأخرى تتعلّق بنفوذها أو موقعها المحوري في المنطقة كراعية لمحور فاعل يقاوم “إسرائيل” بثبات، بكل ما لكلمة “مقاومة” من معنى.

القلق الإسرائيلي يتمحور اليوم من الناحية العسكرية حول قسمين: يتعلّق الأول بإمكانية امتلاك إيران القدرة على تصنيع قنبلة نووية أو أكثر، ويرتبط الآخر بامتلاكها وأغلب أطراف محور المقاومة أسلحة نوعية، من صواريخ ومسيّرات وقدرات بحرية صالحة ومناسبة كلها لردع “إسرائيل” ومواجهتها، وإلحاق الهزيمة بها.

يكفي أن تمتلك إيران أو أحد أطراف المحور المقاوم منظومة فاعلة من الصواريخ الدقيقة القادرة على تجاوز الدفاع الجوي الإسرائيلي لكي تعوّض في أية مواجهة مع “إسرائيل” مفاعيل القنبلة النووية، ولو بشكل جزئي، ما لم يكن بشكل كامل، ذلك أن “الجزئي” نفسه هنا يعد كافياً لإحداث الدمار المطلوب داخل الكيان.

بناء على هذه المعطيات المتعلّقة بخطر وصول أي صاروخ دقيق إلى أية منشأة حساسة للعدو، نووية أو كيميائية أو ما شابه، لم تعد للكيان مصلحة في التركيز على منع عودة الأمريكيين إلى الاتفاق النووي مع إيران أو عرقلته، فمصلحته الفعلية تكمن في عدم الاشتباك السياسي والدبلوماسي مع الأمريكيين، وفي مجاراتهم في استراتيجيتهم الأساسية التي أرادوها من شروط الاتفاق، كما وافقت عليه إيران في عام 2015، والذهاب معهم إلى تنظيم المواجهة التقليدية الأخرى ضدها، بعيداً عن النووي، وهي التي تتعلق بمحاولة ضبط أو تقييد معادلة القوة والردع التي فرضتها إيران بصواريخها البالستية الدقيقة، وبمحاولة تقييد نفوذها الفاعل في المنطقة والإقليم.

إن الكيان الصهيوني يحاول استعراض قدراته العسكرية، وإظهار قدرته على تشكيل التحالفات العسكرية، في محاولة يائسة لترميم صورة التفوق الجوي التي كان يمتلكها في السابق، ما يعزز بنظر “إسرائيل” قدرتها على الردع، وأن ذراعها الجوي قادر على الوصول إلى أي مكان، في رسالة واضحة إلى محور المقاومة بأنها مازالت القوة الوحيدة في الشرق الأوسط.

لكن استهداف قاعدة التنف الأنغلو- أمريكية، وإصابتها بأضرار بالغة، يظهران مدى نجاعة التصنيع العسكري لمحور المقاومة وتطوره وتفوقه على قدرات الصهيو- أمريكية العسكرية، ويكشفان عجز وضعف قوة ردع الأعداء، وينبئان كذلك عن العجز الاستخباراتي الفادح للتحالف الصهيو- أمريكي.

إن منطقة الشرق الأوسط تشهد مخاضات جديدة لن يكون للتحالف الصهيو- أمريكي أي دور فيها، وموسم حصاد صبر محور المقاومة الاستراتيجي الذي بدأ قطافه للتو ستتمخض عنه ولادة شرق أوسط جديد، اليد العليا والطولى فيه للمقاومات النزيهة والشعوب المقهورة التوّاقة للعيش بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.