اقتصادصحيفة البعث

معادلة غريبة عجيبة..للأسعار والدعم.. !؟

قسيم دحدل

لا ندري لماذا كلما ذُكرت “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك”، يقفز لأذهاننا “اقتصاد السوق الاجتماعي”،  وتصيبنا “الصفنة” وحالة المقارنة بين الاسمين المصطلحين..؟؛ فهما يتقاطعان في قاسمين مشتركين فيهما..!.

القاسم الأول: العمل التجاري ومضامينه الذي لا يراعي إلاّ حسابات الربح والخسارة، في شق تسميتهما الأول؛ أما القاسم الثاني فهو: الحماية ومضامين مفهوماً الاجتماعي المعيشي المرتبط بالمستهلك في شقهما الثاني (حماية المستهلك – الاجتماعي).

كلا الاسمان يتفقان ويتطابقان في الشق الأول لناحية مفاعيلهما، وكذلك “يتفقان” فيما إسقاطه من اسميهما وهو (الحماية والاجتماعي)، والدليل مجريات ووقائع ما يتم وما نتج وينتج نتيجة لهذا الاتفاق الذي أفقدهما نصيبهما مما كُنَّيا به.!

ولعل ما أكد هذا التطابق الغريب – بعكس أهدافه – ما أثاره المؤتمر الصحفي لوزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، حيث لم يتبدَّ في إجابات الوزير أن هناك دليلا واضحا وصريحا على وجود دراسات متكاملة، كافية وافية، لقرارات رفع الأسعار المتتالية، لناحية تأثيرها السلبي المباشر والسريع وتبعاتها المالية على المستهلك، للحد الذي يمكن الجزم بأن الغاية من تلك الزيادات، هي التحصيل والجباية للأموال فقط.

أما التبرير، الذي لم نجد ضالتنا فيه، فهو أن كل ما تم ويتم، من رفع للأسعار، أحد غاياته الرئيسة هو توجيه الدعم لمستحقيه، وفي الآن نفسه التخفيف على المواطنين لاسيما ممن هم في خانة محدودي الدخل.!

ومع أننا حاولنا جاهدين أن نقنع أنفسنا بذلك التبرير، إلاَّ أننا لم نجد حدوث هذا، لا في كل قرارات الزيادة السابقة المُجربة والمؤكدة في أثارها القاسية على المستهلك..!، ولا في القرارات الجديدة حيث السوق ومفاعيله كان يسبق كل مرة تُرفع فيها الأسعار، في قول وفرض كلمته قبل أن تُعلن الزيادة.!

ولو تمعَّنا ـ مثلاً ـ في ماهية وحجم مبلغ الدعم المُقدم لـ 4 ملايين اسطوانة غاز (4 ملايين بطاقة)، ولمرة واحدة فقط،، وبقائه – بعد أن وصل سعر الاسطوانة لنحو 10500 ليرة – 80 مليار ليرة، فأول ما يتبادر لأي منَّ السؤال الآتي: على أي سعر صرف تم حسابه واستخلاصه، أعلى سعر السوق السوداء أم النظامية..؟ وبالتالي هل هو رقم تضخمي أم حقيقي..؟!.

وما أثار هواجسنا حول ضخامة المبلغ أن الوزير هو نفسه أقر بوجود تكاليف تحسب في خانة الهدر، لا علاقة لها بارتفاع الأسعار العالمية للغاز، وأن هذه التكاليف هي عامل رئيس من العوامل والأسباب التي دفعت بشكل أو بأخر للجوء إلى إقرار الزيادة، لا بل كان أكثر شفافية وأكد وجود شبهات فساد وفساد لحد ما، أدى ويؤدي لرفع نسبة الزيادة في الأسعار، أي لو لم تكن تلك التكاليف لما كانت الزيادة بتلك النسب غير المعقولة.

ليس هذا فحسب، إنما المفارقة، التي لم تحظ بالاهتمام الضروري والمطلوب حكماً،  تكمن في خلل حسابات عملية إعداد زيادة الأسعار، لناحية مساواتها بشكل غير مباشر ما بين شريحة محدودي الدخل والشرائح غير المحدودة كالصناعية والتجارية والزراعية والخدمية، كون كل زيادة تتم على الشرائح الأخيرة، يتحمل عبأها محدودو الدخل، بطريقة تحميلها على المنتج النهائي، أي تحميلها للمستهلك مباشرة، وهذا أمر مؤكد وفعلي..!.

مع ذلك، ولأننا محكومين بالأمل، فلا يسعنا إلاَّ أن نتفاءل، استناداً لما لم يخلُ مؤتمر معالية من تلميحات يستشف منها، أن هناك ما يدعو لذلك بتحسن ملموس خلال الأشهر القادمة، وهذا لا يسقط مخاوفنا من تداعيات إعادة هيكلة الدعم، وتحديداً لجهة من سيتم استثناءهم من الدعم نهائياً، مثال كبار رجال المال والأعمال من صناعيين وتجاريين وكالأطباء والمحامين ممن بلغ لهم عشر سنوات في ممارسة المهنة..

مرد التخوف أن يلجأ المستبعدون من الدعم إلى تحميل ما سيفقدونه على فواتيرهم وسلعهم، أو زيادة أجور خدماتهم على من سيظل مُشمًّلا بالدعم، وهذا أمر غير مستبعد أبداُ، طالما أنه لا يوجد أي ضابط أو قرار صريح ومعلن بأسعار ملزمة لكل من يكون نشاطه ـ سواء كان استثمارياً أو خدمياً ـ غير مشمول بالدعم، علماً أن هناك سوابق في هذا الشأن تدعم ادعائنا، فقبل الأزمة كان طالب التجار أن يتم احتساب ما ينفقونه من مبالغ كهدايا وخلافه، حين عقد صفقاتهم، ضمن تكلفة منتجهم، كشرط  لدفع ما يترتب عليهم من ضرائب حقيقية..!

في هكذا حال، سينطبق المثل القائل “وكأنك يا أبا زيد ما غزيت”، على مَنْ عمل على إعادة هيكلة الدعم، الدعم الذي من المفترض أن يكون بعد أن تكون الرواتب والأجور كافية وقادرة على تأمين متطلبات الحياة الأساسية والمعيشية على أقل تقدير، وعليه لا يسعنا سوى الانتظار كون العبرة دائماً بالنتائج.

Qassim1965@gmail.com