أطفال اليمن الخاسر الأكبر
سمر سامي السمارة
عاد المتحدث باسم اليونيسيف “جيمس إلدر” مؤخراً من اليمن، محملاً بالكثير من الأخبار المأساوية عن أطفال يعيشون، بحسب الأمم المتحدة، أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
خلال حديثه في مؤتمر صحفي في جنيف، قال إلدر: “لقد وصل الصراع في اليمن للتو إلى معلم مخزٍ آخر، فقد قُتل أو شوّه 10000 طفل منذ بدء حملة قوات التحالف في آذار 2015، أي بمعدل أربعة أطفال كل يوم”. مضيفاً: إن التقديرات التي قدمتها وكالة الأمم المتحدة الدولية، كانت على الأرجح أقل بكثير من العدد الفعلي للقتلى والجرحى من الأطفال، إن هذه الأرقام تمثل فقط الحالات التي تمكنت الأمم المتحدة من التحقق منها، مشيراً إلى أن العديد من حالات الإصابة والوفيات في أوساط الأطفال تحدث من دون أن يتمّ تسجيلها.
حدّد الخبراء الدوليون أربعة من المخاطر الجمة، التي دفعت البلاد إلى حافة الانهيار الإنساني. بادئ ذي بدء، العمليات العسكرية الوحشية طويلة الأمد، برعاية الولايات المتحدة. وثانيهما، الدمار الاقتصادي الهائل الذي لحق بكل جزء من البلاد، نتيجة الحرب الجائرة على اليمن. بالإضافة إلى الافتقار إلى الهياكل الأساسية، والخدمات الاجتماعية مثل مرافق الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي والحماية الاجتماعية والتعليم، والنقص الحاد في التمويل الذي يواجه الأمم المتحدة.
تجدر الإشارة إلى أن الحرب على اليمن بدأت في آذار 2015، عندما شنّ التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة حملة قصف على اليمن، حيث باعت الولايات المتحدة أسلحة بمئات المليارات من الدولارات للتحالف، بالإضافة إلى الدعم الاستخباراتي واللوجستي للطائرات العسكرية.
تُظهر الأدلة أن المملكة المتحدة هي ثاني أكبر مورّد للأسلحة إلى التحالف الذي استخدمها بشكل مكثف في حرب غير معلنة، ووجهها في معظمها ضد المدنيين. كما استفادت دول غربية أخرى، بما في ذلك فرنسا وكندا “الديمقراطية”، بشكل كبير من هذه الحرب، حيث زوّدت التحالف بكميات ضخمة من الأسلحة الهجومية.
هذه أقوال وأفعال ما يُسمّى بالغرب الديمقراطي، ففي الوقت الذي يطالب فيه بالحرية والديمقراطية، يقوم في الواقع بالتزويد بالأسلحة والمعدات العسكرية في كل فرصة، ما يثير صراعات عسكرية تودي بحياة مئات الآلاف من المدنيين في اليمن والعراق وسورية وأفغانستان وليبيا.
يتساءل مراقبون: أين هي المنظمات الدولية المزعومة التي تدّعي أنها تهدف إلى منع الصراع ومحاكمة أولئك الذين يحرضون ويشجعون هذه الحروب الدموية؟.
لقد أظهرت الولايات المتحدة، اللاعب الماهر بالمعايير المزدوجة في السياسة وحقوق الإنسان، “اهتماماً” مرة أخرى باليمن، فخلال محادثة هاتفية مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة الذي تمّ تعيينه حديثاً إلى اليمن “هانز غروندبرغ” أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين مجدداً أن حلّ الصراع في اليمن لا يزال على رأس الأولويات للسياسة الخارجية الأمريكية. لكن بعد كلماته هذه أرسل البنتاغون شحنة جديدة من القنابل الجوية.
حتى الآن، لم يتهم هذه الدول بالتواطؤ في جرائم الحرب على اليمن سوى جماعات حقوق الإنسان، إذ وجد أحد التحقيقات أن القنبلة التي سقطت في آب 2018 وأصابت حافلة مدرسية، قتلت أكثر من 40 طفلاً، كان مصدرها الولايات المتحدة. كما أن جميع القنابل والصواريخ التي سقطت على اليمن، يتمّ شراؤها من الخارج من دول “ديمقراطية”.
قدّم رئيس بعثة مراقبي الأمم المتحدة لرعاية الطفولة للصحفيين هذه الأرقام المحزنة حول معاناة الأطفال اليمنيين المتعلقة بسوء التغذية والتعليم والصرف الصحي والبنية التحيتة، قائلاً: “اسمحوا لي أن أشارككم بضعة أرقام أخرى، أربعة من كل خمسة أطفال يحتاجون إلى مساعدة إنسانية، أي أكثر من 11 مليوناً و400000 طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، أكثر من مليوني طفل خارج فصول الدراسة، وأربعة ملايين آخرين معرضون لخطر التسرب. ثلثا المدرسين، وأكثر من 170000، لم يتقاضوا رواتبهم بصورة منتظمة لأكثر من أربع سنوات، 1.7 مليون طفل نازحون داخلياً حالياً بسبب العنف”.
بالإضافة إلى أن 15 مليون شخص -أكثر من نصفهم من الأطفال- لا يستطيعون الوصول إلى المياه الصالحة للشرب، أو الصرف الصحي أو النظافة. لذا فإنه، بمستويات التمويل الحالية ومن دون وضع حدّ للحرب، لا تستطيع اليونيسيف الوصول إلى كل هؤلاء الأطفال، ومن دون مزيد من الدعم الدولي، سيموت المزيد من الأطفال.
لكن هل يهمّ ذلك المستفيدين في العواصم الغربية، الذين يجنون أرباحاً طائلة من دماء أطفال اليمن ومن توريد الأسلحة، ما يسمح لهم بتناول الطعام والنوم جيداً؟. حقيقة، هذا ليس من شأنهم، كما يقولون عادة في الولايات المتحدة “إنه عمل تجاري فقط، ولا شيء شخصي”!.
على الرغم من جهود اليونيسيف والمنظمات الدولية الأخرى، فمن الصعب وصف خطورة الوضع الإنساني في اليمن، لأن الاقتصاد في حالة حرجة، وخاصة مع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 40٪ منذ عام 2015، حيث فقد الكثير من اليمنيين وظائفهم، ما تسبّب في انخفاض دخل الأسرة.
يعتمد نحو ربع الأشخاص، بما في ذلك العاملون في المجال الصحي، والمعلمون والمهندسون وعمال الصرف الصحي، على رواتب موظفي الخدمة المدنية التي تُدفع بشكل غير منتظم، إذا دُفعت أصلاً. ونتيجة للتهجير وتدمير المدارس، أصبحت الفصول الدراسية تستوعب أكثر من 200 طفل، ومع ذلك، يأتي المعلمون الذين لا يتقاضون رواتب يدرسون بكل حماسة لتعليم الجيل القادم.
بالإضافة إلى الحرب التي فُرضت عليهم، لا يتضوّر الأطفال جوعاً بسبب نقص الغذاء، أو لأن عائلاتهم لا تستطيع تحمّل تكاليف الطعام، إنهم يتضورون جوعاً لأن الكبار يواصلون شنّ حرب يكون فيها الأطفال أكبر الخاسرين.
يعتقد الاقتصاديون أن اليونيسيف وحدها بحاجة ماسة إلى أكثر من 235 مليون دولار لمواصلة عملها المنقذ للحياة في اليمن حتى منتصف عام 2022، محذرين من أن الوكالة ستضطر إلى تقليص أو إيقاف مساعداتها الحيوية للأطفال الضعفاء، في حال عدم توفر الدعم المطلوب.
كما حذّرت الأمم المتحدة الشهر الماضي من أن 16 مليون يمني، أي أكثر من نصف التعداد السكاني، يواجهون المجاعة، مشيرةً إلى أنه ما لم يضاعف المجتمع الدولي دعمه فقد تنضب المعونة الغذائية قريباً، كما يحذر الأطباء من أن 99٪ من اليمنيين لم يتمّ تطعيمهم ضد كوفيد-19.
والآن يواجه اليمن موجة ثالثة من الوباء، في ظل قطاع صحي منهك، وأوضاع إنسانية وعسكرية بالغة الصعوبة، وسط تحذيرات من عواقب وخيمة في حال عدم وضع معالجات سريعة للجائحة. لكن، كيف يتعامل الغرب مع معاناة اليمنيين، خاصة وأن الدول الغنية مثل المملكة المتحدة وألمانيا تمنع جميع القرارات لإدخال الأدوية التي تحتاجها البلاد.