إستراتيجية أمريكا في الهندي والهادئ تعاون أم صراع؟
عناية ناصر
عمّقت” أوكوس” القطيعة بين واشنطن وبروكسل، وبين واشنطن وباريس على وجه الخصوص، على الرغم من أن الرئيس الأمريكي جو بايدن اعترف بالأفعال الأمريكية “الخرقاء” في صفقة الغواصات مع أستراليا.
اليوم تعيد فرنسا تقييم إستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وبحسب تقارير إعلامية تدرس باريس تعميق العلاقات مع طوكيو ونيودلهي بعد أن كانت حليفاً مهماً وداعماً لإستراتيجية الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ومن المؤكد أن “الغضب الفرنسي” يلقي بظلاله على خطط إدارة بايدن لنسج شبكة مصغّرة من التعدّدية في المحيطين الهندي والهادئ لاحتواء الصين، لكن الجدير بالذكر أن سياسة الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ لن تحبطها نزوة فرنسا، فاستراتيجيات الولايات المتحدة وفرنسا فيما يتعلق بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ لها تناقضات هيكلية، كما أنها تتداخل بشكل كبير في المصالح والأهداف الإستراتيجية والخطط المحدّدة، فكلاهما يسعى إلى الانتشار العسكري في الخطوط الأمامية في المنطقة وتوسيع شبكة الحلفاء والشراكات لاحتواء الصين، في إطار ذلك، ظلّ وجود باريس في المنطقة ضمن الإطار الاستراتيجي لواشنطن. ومع ذلك، فإن كلاً من طوكيو ونيودلهي هما النقطتان المحوريتان الرئيسيتان لإستراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة، وهما أيضاً شريكان مهمان في إستراتيجية فرنسا الأمنية في المنطقة.
وقّعت طوكيو وباريس اتفاقية ثنائية لتقاسم الإمدادات الدفاعية وغيرها لتعميق التعاون الأمني. علاوة على ذلك وقّعت باريس ونيودلهي، في عام 2018، اتفاقية لتوفير الدعم اللوجستي المتبادل. في ضوء ذلك، فإن التعاون الدفاعي والأمني الفرنسي مع كلّ من اليابان والهند له أساس عميق، كما يعتبر هذا التعاون أيضاً إلى حدّ ما جزءاً من الوجود الاستراتيجي للولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
لا يمكن أن تؤثر الأزمة بين فرنسا وأستراليا والولايات المتحدة بشأن اتفاقية شراء الغواصات على الوجود الاستراتيجي للولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، لكن إستراتيجية إدارة بايدن لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ سوف تتعرض للخطر حتماً بسبب التناقضات الداخلية. لقد وحّدت الولايات المتحدة اليابان والهند وأستراليا والمملكة المتحدة وفرنسا لتبني سياسة مشتركة والحفاظ على التعاون الوثيق في المجال العسكري والعمليات الدبلوماسية، وأحد الأسباب الرئيسية هو “التهديد الصيني” المزعوم. ومع ذلك، فإن كلاً منهم لديه إجابات مختلفة على أسئلة مثل ماهية التهديد الصيني، وكيفية التعامل معه، وما هي أهدافه. لذلك، لديهم حسابات مختلفة فيما يتعلق بالصين. وبشكل أكثر تحديداً، في نظر صانعي السياسة في طوكيو، فإن بكين تهدّد مطالب طوكيو بالمصالح الأمنية في بحر الصين الشرقي. أما بالنسبة لنيودلهي، وبغضّ النظر عن الخلافات الحدودية مع بكين، فإنها تخشى احتمال أن تتحدى الصين هيمنتها في المحيط الهندي. وتعتبر كل من لندن وباريس منطقة المحيطين الهندي والهادئ موقعاً مهماً لتوسيع قوتهما وإظهار تأثيرهما العالمي.
ومع ذلك، تهدف إستراتيجية الولايات المتحدة في المحيطين الهندي والهادئ إلى الحفاظ على هيمنة واشنطن على النظام الإقليمي، وهي تستفيد بشكل أساسي من دعم العديد من الحلفاء والشركاء لتعزيز مصالحها الخاصة، أي أنها تبنّت سياسة تضحي بمزايا التعاون الاقتصادي والتجاري وتتحمّل مخاطر الحرب. ومع ذلك، فإن هذا في الواقع يعمل ضد الاستراتيجيات الاقتصادية والأمنية لدول مثل اليابان وفرنسا والمملكة المتحدة. وبهذا المعنى، فإن نوبة غضب باريس ضد واشنطن لا يمكن أن توقف تواجد الأخيرة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ونظراً لأن إستراتيجية الولايات المتحدة في المحيطين الهندي والهادئ تعتمد على دعم حلفائها وشركائها، فإن واشنطن ستعاني دائماً من صراعات لا يمكن حلها داخل النظام الغربي.
من هنا ستشكل اليابان والمملكة المتحدة وفرنسا وأستراليا والهند والدول المحيطة ببحر الصين الجنوبي علاقة “تعاون وصراع” مع الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فمن ناحية، تتعاون مع عمليات الانتشار الإستراتيجية لواشنطن، وخاصة في مجال الأمن، ومن ناحية أخرى، وبسبب تضارب المصالح والمطالب تحاول الموازنة وعدم البقاء في كل خطوة مع استراتيجيات واشنطن. بعبارة أخرى، فإن رغبة واشنطن في تشكيل جبهة موحّدة ذات سياسة مشتركة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ستواجه بالتأكيد نكسات كبيرة وحتى الفشل.