في مراجعة لوزارة الخزانة… ارتفاع نسبة العقوبات الأمريكية 933%
البعث الأسبوعية- عناية ناصر
أصبحت الولايات المتحدة شديدة الإدمان على ممارسة العقوبات ضد الآخرين. وعلى مر السنين، أثار الخبراء والمراقبون في جميع أنحاء العالم ، حتى أولئك من الولايات المتحدة، المخاوف بشأن ذلك. ووفقاً لمراجعة عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية لعام 2021، التي أصدرتها وزارة الخزانة الأمريكية في وقت سابق، فقد زاد استخدام وزارة الخزانة الأمريكية للعقوبات بنسبة 933 في المائة على مدار العقدين الماضيين، من 912 عقوبة في عام 2001 إلى 9421 هذا العام.
“من الناحية النظرية، يجب أن تمتلك القوى العظمى مجموعة من أدوات السياسة الخارجية مثل القوة العسكرية، والطابع الثقافي، والإقناع الدبلوماسي، والبراعة التكنولوجية، والمساعدات الاقتصادية، وما إلى ذلك. ولكن بالنسبة لأي شخص يهتم بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة على مدار العقد الماضي، سوف يجد أن الولايات المتحدة تعتمد على أداة واحدة قبل كل شيء، وهي العقوبات الاقتصادية”، كما كتب دانييل دبليو دريزنر، أستاذ السياسة الدولية في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس للشؤون الخارجية.
تُظهر الإحصائيات المأخوذة من قاعدة بيانات العقوبات العالمية أن الولايات المتحدة كانت الأكثر استخداماً للعقوبات الدولية في العالم منذ عام 1950، فقد دفع الرئيس السابق دونالد ترامب هذا الاتجاه إلى ذروته، حيث أفادت وكالة “بلومبرغ” أن إدارة ترامب فرضت عقوبات بوتيرة قياسية بلغت نحو ثلاث مرات في اليوم خلال فترة وجود الرئيس في منصبه. قد يفسر هذا السبب الأنباء الواردة عن أن إدارة بايدن تخطط للحد من استخدام العقوبات الاقتصادية والمالية، وقد جذبت الكثير من الاهتمام والتكهنات حول “السبب”.
عقوبات بلا جدوى
العقوبات الاقتصادية هي بشكل عام قيود أو حظر تفرضه دولة على دولة أخرى، والهدف إحداث ضرر اقتصادي بالدولة المستهدفة حتى تمتثل للجانب المعاقب. ومع ذلك، فإن الأداة ليست مجانية فعلى مر السنين كانت الولايات المتحدة تطاردها العقوبات التي فرضتها، ففي حروب التعريفات، كانت الشركات الأمريكية والمستهلكون هم من يدفعون معظم التكاليف الإضافية التي تسببها هذه السياسات العقابية. علاوة على ذلك، تضر العقوبات بصورة الولايات المتحدة في الساحة العالمية لأنها تسبب في معاناة خطيرة للمدنيين في البلدان المستهدفة، وتجعل خصوم الولايات المتحدة أكثر عداءً لواشنطن ، وتوتر العلاقات مع الحلفاء ، كما في حالة “نورد ستريم 2. ” لذلك على الولايات المتحدة الآن أن تواجه حقيقة قاسية، وهي أنها لم تعد قادرة على تجاهل الآثار الجانبية على نفسها من الاستخدام التعسفي لعصا العقوبات، لأن نظرة واحدة على الاقتصاد الأمريكي تؤكد أن حتى كلمة “بطيء” لا تكفي لوصف مدى سوء الأمر، فالتضخم آخذ في الارتفاع، وسلسلة التوريد عالقة في أزمة، ونقص السلع آخذ في الانتشار، كما تم رفع سقف الديون مراراً وتكراراً، ما يعني أن حكومة الولايات المتحدة تتهرب فعلياً من النقد لدفع فواتيرها. يسأل شين يي، الأستاذ في كلية العلاقات الدولية والشؤون العامة بجامعة فودان: “كيف يمكن لواشنطن أن تفرض المزيد من العقوبات عندما يكون الاقتصاد الأمريكي في مثل هذه الفوضى؟”. وأضاف شين لصحيفة “غلوبال تايمز” إنه في ظل هذه الخلفية، إذا كانت الولايات المتحدة ترغب حقاً في تغيير مسار قضاياها الداخلية ، فعليها أن تتعاون مع القوى الكبرى الأخرى.
كانت الولايات المتحدة قوية بما يكفي لتجنب الآثار السلبية لاستخدام العقوبات، لكنها لم تعد كما كانت، خاصة عند مواجهة منافس قوي. ويقول شين: “إذا حاولت الحكومة الأمريكية يوماً ما الانفصال عن دولة معينة ذات تكامل اقتصادي عميق معها، وألحقت الضرر بقوى رأس المال المحلية الأمريكية، فسترى مقدار المعاناة التي ستواجهها”.
فك الارتباط مع الدولار
ربما يكون أكبر كابوس لوزارة الخزانة الأمريكية هو الانفصال المحتمل في جميع أنحاء العالم عن الاعتماد على الدولار الأمريكي. وكما ذكرت مراجعة الوزارة، فإن خصوم أمريكا – وبعض الحلفاء – يقللون بالفعل من استخدامهم للدولار الأمريكي واعتمادهم على النظام المالي الأمريكي على نطاق أوسع في المعاملات عبر الحدود. وفي حين إن هذه التغييرات لها أسباب متعددة لا تقتصر على العقوبات المالية الأمريكية فحسب، يجب الآخذ في الاعتبار خطر أن تؤدي هذه الاتجاهات إلى تآكل فعالية العقوبات الأمريكية التي باتت معها الولايات المتحدة مترددة في الاعتراف بذلك، مع العلم أن الحقيقة هي أن تقليص الدول لاستخدامها للدولار ناتج إلى حد كبير عن العقوبات الأمريكية. وقد أشارت وزارة المالية الروسية في حزيران الماضي إلى أن البلاد ستزيل الدولار بالكامل من صندوقها المليء في محاولة للحد من مخاطر العقوبات. وكان الاتحاد الأوروبي قد وضع في كانون الثاني الماضي خططاً للحد من الاعتماد على الدولار الأمريكي كخطوة “لتقليل التعرض للعقوبات الأمريكية في أعقاب المعارك حول سياسة إيران”، حسبما ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز”. والسؤال إذا كانت قوة العقوبات الأمريكية تأتي من هيمنة الدولار، فإلى متى يمكن للولايات المتحدة أن تحافظ على أسلوبها المتسلط عندما يقاطع عدد متزايد من القوى الكبرى بشكل مشترك امتياز الدولار بسبب العقوبات الأمريكية؟.
تعديل السياسة
هل العقوبات الأمريكية مجدية؟. هناك نقطة تحول واضحة، بمعنى كلما اتسعت الفجوة بين الولايات المتحدة والدول المعاقبة، كانت العقوبات أكثر نجاحاً. ولكن عندما يتعلق الأمر بخصوم الولايات المتحدة الذين لديهم إرادة أقوى للمقاومة، فمن غير المرجح أن تنجح العقوبات، وفقاً لشين. وأحد الأمثلة على ذلك هو العقوبات الأمريكية ضد اليابان في الثمانينيات، حيث أدت الحرب التجارية طويلة الأمد إلى فترة 10 سنوات من الركود الاقتصادي، أطلق عليها اسم “العقد الضائع”. كما لا يمكن العثور على حالات ناجحة أخرى للعقوبات الأمريكية إلا بين حلفاء الولايات المتحدة مثل حالة “ألستوم” ، التي كانت ذات يوم ألمع لؤلؤة في الصناعة الفرنسية، والتي تم تفكيكها من قبل الولايات المتحدة. ربما تكون الولايات المتحدة قد حققت انتصاراً مؤقتاً في تلك الحالات ، لكنها أخذت تفقد الثقة شيئاً فشيئاً من حلفائها. والدليل أنه من السهل العثور على حالات الفشل المباشر، فعلى سبيل المثال، مارست الولايات المتحدة ضغوطاً هائلة على دول مثل روسيا وكوريا الديمقراطية وكوبا وإيران منذ عقود، لكنها في الواقع، دفعت ثمناً اقتصادياً باهظاً، ولم يحدث أي تغيير في سياسات تلك الدول أو سلوكها كما توقعت الولايات المتحدة. وهنا يشير شين إلى أنه “بالنسبة لدولة لديها إرادة سياسية قوية بما فيه الكفاية، فإن الهدف النهائي للعقوبات الاقتصادية الأمريكية قد لا يتحقق أبداً”.
لسوء الحظ، لم تتطرق مراجعة وزارة الخزانة إلى قيود العقوبات الأمريكية، بل كانت أشبه بورقة تدافع عن العقوبات. ففي أحد فصول المراجعة تقول وزارة الخزانة: “إن العقوبات الاقتصادية والمالية تظل أداة فعالة للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة الآن وفي المستقبل”.
في النهاية، لا تريد القوة العظمى سوى تقليل تكلفة العقوبات عندما تلتقط أنفاسها بعد التبذير في مواردها المهيمنة لفترة طويلة جداً. وفي هذا الشأن يقول شو ليانغ، الأستاذ المساعد في كلية العلاقات الدولية بجامعة بكين للدراسات الدولية، لصحيفة “غلوبال تايمز” ، إن واشنطن ستخفض عدد العقوبات، لكنها ستحاول تحسين كفاءة هذه العقوبات. ومع ذلك، تثبت واشنطن من انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط إلى تعديل سياسة العقوبات، شيئاً واحداً، أن الولايات المتحدة لم تعد القوة المهيمنة التي يمكنها قيادة الدول حولها بإرادتها.