مقاربات كروية تنتظر التأويل والتفسير…كرتنا تغرق في شبر ماء والحلول قاصرة والآمال بعيدة المنال
البعث الأسبوعية- ناصر النجار
أكثر من شهر مر على تعيين اللجنة المؤقتة لاتحاد كرة القدم وهذه المدة تعادل ثلث الفترة التي ستقضيها، وعلى ما يبدو أنها تريد تمرير أكثر من ذلك من وقت لتستغرق في العمل ستة أشهر أو أكثر، وهذا الكلام لم يأت من فراغ إنما هو نتيجة ما نراه من أعمال تسير ببطء شديد، وحسب التصريحات التي نسمعها هنا وهناك فإننا نشبه أعمال اللجنة المؤقتة لاتحاد كرة القدم بالقول: نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً.
والقرار المهم الذي اتخذته اللجنة المؤقتة أنها توازعت مهمات السفر والمنتخبات، ولو أن استطاعت استصدار فيزا عاجلة لمعسكر البحرين الذي خاضه منتخب الشباب لسافر أحد الأعضاء على البحرين ولبنان تباعاً، ولكنها معوضة بسفرة العراق القريبة في بطولة غرب آسيا للشباب.
ولم يخرج رئيس اللجنة السابق أمين السر الحالي من مولد السفر بلا حمص بل وضع نفسه على رأس بعثة المنتخب الأول للقاءي العراق ولبنان، فضلاً عن السفر المتواصل إلى المحافظات ومنها حلب حيث تابع بطولة محلية للصغار هناك.
هذا الكلام نسوقه لنقول إن اللجنة الحالية لن تكون أفضل من سابقيها، لذلك استغرب البعض أن تتحدث اللجنة عن الهدر المالي الكبير لاتحاد الكرة السابق وهي تمارس المهام نفسها وتقع بالأخطاء ذاتها، وهاهي المنتخبات الوطنية تسافر بالشكل نفسه مع تغيير بعض الأسماء فقط، فلماذا نصف الاتحاد السابق بالهدر والإسراف ونحن نسير على الاتجاه نفسه؟
لذلك فإما أن الاتحاد السابق لم يكن يهدر المال بلا طائل، وإما أن اللجنة الحالية تريد أن تصور السابقين بالفاسدين وتلبس ثوب البراءة والعفاف ثم تقع بالفعل ذاته، وإذا كان هذا مقصدها معالجة الأخطاء لوجدنا تخفيفاً بالأعداد المسافرة وخصوصاً أنهم انتقدوا هذا العدد واعتبروا أن الكثير من الأسماء لا عمل لها سوى السياحة والسفر، ولكن ما زالت الأمور على ما هي عليه.
عفو بغير مكانه
اللجنة بادرت بقرار غير مسبوق بإصدار عفو عن المعاقبين دون أي مناسبة ودون ما يستدعي الحاجة لإصدار هذا العفو، وربما الغاية منه كسب ود الأندية بكل الدرجات والفئات، ودوماً عندما يكون العفو الرياضي بلا مضمون تربوي وتوعوي فإنه يفقد الغاية منه ويفقد مصداقيته.
فدوري الدرجة الأولى مملوء بالشغب والاعتراض والشكوى والشتم والقذف وفي كل أسبوع نجد مباراة أو أكثر تتجاوز الخطوط الحمراء بشكل كبير وآخرها مباراة عرطوز مع الشعلة، فهل من المعقول أن تمر هذه المباراة دون معاقبة المشاغبين الذين عاثوا في المباراة فساداً.
من جهة أخرى لم يشر بلاغ اللجنة المؤقتة إلى غياب المراقب عن هذه المباراة، أو إلى الفوضى العارمة في باقي المباريات حيث تحولت ملاعبنا إلى منتزهات شعبية أمام أعين الحكام والمراقبين، وإذا كانت هذه الملاعب قريبة من مقر اتحاد كرة القدم فكيف بالمباريات التي تقام على بعد مئات الكيلو مترات ونسمع صدى المخالفات فيها من بعيد.
الملاحظة المهمة أن الشغب في ملاعبنا يتنامى ووصل إلى حدود غير مقبولة والعلاج ضروري ويجب أن يكون جذرياً وقاسياً حتى نستطيع الحد من فتيل الشغب الذي من الممكن أن يهدد مسابقاتنا الرسمية، لذلك جاء قرار العفو بغير محله وهو نقطة سلبية بعمل هذه اللجنة.
الأموال الضائعة
المستغرب أن لاتحاد كرة القدم أموالاً كثيرة هنا وهناك استعرضتها اللجنة المؤقتة مؤكدة أنها خلال أيام معدودة ستأتي هذه الأموال إلى مقر الاتحاد، ووجه الغرابة بالموضوع سكوت الاتحاد السابق عن هذه الأموال وعدم تحصيلها حتى الآن، والموضوع يحتمل الوجهين، الأول: أن الاتحاد السابق كان مهملاً بتحصيل أمواله وغير متفرغ لها لانشغاله بالسياحة والسفر، والثاني: أن هناك مكر بالموضوع وشيء مخفي.
وإذا لم تستطع اللجنة المؤقتة تحصيل هذه الأموال فهذا الأمر يدفعنا للقول بوجود فوضى مالية وتنافساً بين الجدد والقدامى، وهذا الأمر يجب أن يحسم عن طريق جهات عليا ضمن مراسلات موثقة، فلم نعد ندري أين الحقيقة ولم نعد نفرق بين الحق والباطل، والمفترض ألا يثق المكتب التنفيذي للاتحاد الرياضي العام بأي أحد وأن يهتم بالموضوع وأن يتابعه حتى لا تفقد كرتنا المزيد من الأموال.
وقضية الحساب البنكي أمر شائك وهذا يؤكد عدم صوابية العمل، كما يؤكد أن عدم الدقة في الحسابات وعدم معرفة رصيدنا في البنوك وفي الاتحادين الآسيوي والدولي أمر يثير الشك والريب، والفوضى المالية يجب أن يوضع لها حد ونتمنى من الجهات الرقابية أن تضع يدها على الموضوع المالي حتى يتوقف الهدر فليس من المعقول أن نخسر على أرض الملعب وأن نخسر مالياً أيضاً، ومن جهة أخرى من المفترض أن يستلم الاتحاد الجديد المنتخب الميزانية المالية بشكل قانوني ورسمي حتى يبدأ عمله على بياض ولا تتداخل الحسابات ببعضها.
الملاحظة الأهم أن الكثير من المؤتمرات الحالية والمؤتمرات السابقة لكرتنا في السنوات الماضية أغفلت في تقاريرها الجانب المالي، وأذكر أنه في أحد المؤتمرات عندما سأل أحدهم عن الوضع المالي جاءه الجواب: أن هذا من اختصاص الجهات العليا ولا شأن للمؤتمر بالمال.
تسويق ليس إلا
لم تأت اللجنة المؤقتة بجديد عندما قالت إن هناك الكثير من اللجان العليا خلبية ولا عمل لها أو هي لا تعمل، وهذا حال كل الاتحادات الكروية السابقة على مدى العقود الطويلة الماضية، فاللجان العليا هي جوائز ترضية لأصحاب الأصوات الانتخابية ويجب أن تضم أصحاب هذه الأصوات شئنا أم أبينا فضلاً عن أن البعض من هؤلاء يرمي بنفسه عند المتنفذين طمعاً بمقعد في أي لجنة، والمكسب دائماً مادي ليكون له دور ثابت بمراقبة المباريات ونفسي ليكون إلى جوار أصحاب القرار وهناك مكاسب أخرى لا نود التطرق إليها لأننا نخجل من ذكرها.
المهم بالأمر أن اللجنة وقعت بالفخ فناقضت تصريحاتها أفعالها، وها هي بدأت تشكيل اللجان، وأعضاء هذه اللجان أغلبهم كانوا في اللجان السابقة وتنقلوا من لجنة لأخرى، فالعملية كانت عبارة عن تبادل أدوار وطرابيش والاستثناءات القليلة وكانت بإبعاد من هم غير موالين للجنة بشكل صريح ووجودهم لا يقدم ولا يؤخر.
عملية تجميلية
من العمليات التجميلية التي تريد اللجنة تبييض صورتها الإعلان عن دوري الناشئين والأشبال للفرق الممتازة وتشكيل لجنة فضفاضة فيها العديد من الأسماء المنوعة وبعضها ليس لديه الخبرة الكافية في هذا الموضوع، الإعلان عن هذه المسابقات هو عمل جيد من الناحية النظرية لكنه غير عملي أو منطقي، لأن الفكرة غير قابلة للتطبيق وستضر بغيرها من الدرجات، والأسباب بذلك عديدة، أولاً: لا يمكن البدء بالدوري بهاتين الفئتين قبل تحصيل المال الضائع لأن اللجنة (ضربت على صدرها) بأن التكاليف كلها عليها وكانت كريمة عندما أعلنت عن مكافآت هنا وهناك، ثانياً: أغلب الفرق اعترضت لأن النفقات لا تقتصر على السفر والإقامة وأجور الحكام، فهناك التجهيزات والمستلزمات وما أكثرها.
ثالثاً وقالها أحد العالمين بأمور دوري الفئات: إذا جمعنا فرق الدرجة الممتازة بهذه الفئات، فما مصير باقي الفرق في الدرجات الثلاث المتبقية، وأضاف على سبيل المثال: في دمشق ستلعب فرق الجيش والوحدة والشرطة في الممتاز، فهل سيقام دوري الفئات على مستوى المحافظة للمحافظة والمجد والنضال فقط، وما جدوى هذا الدوري؟ وهذا كلام حق، فالمفترض عندما نتخذ قراراً مثل هذا يجب أن يكون شمولياً وأن يراعي كل الدرجات حتى لا يفقد الغاية منه.
رابعاً: إذا لم تتمكن اللجنة المؤقتة من استعادة أموالها التي تتحدث عنها، فمن أين ستأتي بالنفقات لهذا الدوري مع العلم أنها قالت: إن الاتحاد مديون بمئة وثمانين مليون ليرة؟.
خامساً: مثل هكذا قرار يتخذه اتحاد كرة سيعمل لدورة أو دورتين وليست لجنة مؤقتة مهمتها تسيير الأمور والدعوة إلى انتخابات رسمية.
بالمحصلة العامة فإن الاهتمام بالقواعد وبالفئات العمرية أمر ضروري وحيوي، ونحن نتمنى وجوده، لكن من السليم أن يبنى هذا الدوري وفق أسس متينة وقواعد ثابتة تضمن له الاستمرار والديمومة دون عوائق أو مطبات.
المهام المفترضة
هناك الكثير من الكلام الذي من الممكن أن نتحدث به عن أعمال اللجنة المؤقتة وكرة القدم، ولكن على ما يبدو أن قدر كرتنا أن تعيش بأحضان العابثين فيها، وأمام كل هذا الوصف السريع نسأل: هل نسيت اللجنة المؤقتة مهامها الموكلة بها؟،وما الذي ممكن أن تفعله إذا كانت لجنة معينة وهي بذات الوقت مسيرة وفاقدة لكل الصلاحيات المهمة والرئيسية، وهي بحاجة إلى موافقات كثيرة ورضا المكتب التنفيذي لتمرير قراراتها المهمة والإستراتيجية؟.
ما نعرفه أن اتحاد كرة القدم يتمتع بشخصية اعتبارية واستقلالية مالية، لكن الواضح أن كل قرار مهم بحاجة إلى موافقة القيادة الرياضية، قرارات المؤتمر يجب أن تصادق عليها القيادة الرياضية، توقيع العقود مع المدربين والكوادر والشركات ومنح المكافآت للاعبين وغيرهم يجب أن تحظى بالموافقة، حتى تشكيل اللجان العليا لا بد من الاستشارة ببعض الأسماء أو التوصية لبعض الأسماء.
فأي خارطة كروية جديدة لا بد من نيل الموافقة عليها قبل إقرارها، وفي الكواليس علمنا علم اليقين أن القيادة كانت تتدخل في بعض العقوبات والحديث لا يخص القيادة الرياضية الحالية فقط، بل كل من تولى هذه المهام على مدى العقود السابقة كان يمارس هذا الدور، وهذا الأمر صار عادة وهو نوع من أنواع الفروض.
لذلك نتمنى أمام هذه المسؤوليات الكبيرة والأعباء الثقيلة أن تمارس القيادة الرياضية حقها الكامل بمحاسبة المقصرين والمخطئين لا أن تكتفي بقبول استقالاتهم، وهذه هي الخطوة الأولى في تصحيح مسار كرة القدم والرياضة بكل مؤسساتها.