السكوت لا يعني الإفلات من العقاب.. والارتدادات ستنقلب على من يخرق القانون الدولي
البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة
يعتقد بايدن أن ضربات الطائرات بدون طيار تساهم في تحقيق العدالة والسلام، متناسياً أن آثارها المدمرة على العالم بأسره، لا يمكن حسابها.
في 29 تشرين الأول الفائت، سلط تقرير الضوء على سجين في سجن غوانتانامو أدلى بشهادته حول التعذيب الذي تعرض له على مدار سنوات عديدة في السجون السرية التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية والقاعدة العسكرية الأمريكية في كوبا.
السجين يدعى خان، وقال في شهادته أنه تم تعليقه عارياً لفترات طويلة على عارضة سقف المعتقل، وتم غمره مراراً بالماء المثلج لإبقائه مستيقظاً لعدة أيام. ووصف وضع رأسه تحت الماء بأنه أشبه برجل قريب جداً من الغرق، وليس هذا فقط فقد كان يتم سكب الماء في أنفه وفمه عندما يتركه المحققون ويخرجون. ولفت إلى تعرضه للضرب وحقنه بحقن شرجية قسرية والاعتداء الجنسي والتجويع في سجون خارجية لم يتم الكشف عن أماكنها.
مؤخراً، بمناسبة يوم الأمم المتحدة، أعلن بايدن أن الولايات المتحدة ملتزمة “بالرؤية والقيم الأصلية المتجسدة في ميثاق الأمم المتحدة” والتي تتضمن “إنشاء نظام دولي مبني على القواعد، وضمان الالتزام بـه”. هذا الإعلان جاء بعد شهرين من شن غارة جوية أمريكية بطائرة بدون طيار في كابول، أسفرت عن مقتل عشرة مدنيين، بينهم سبعة أطفال. وبحسب الصليب الأحمر الدولي، فإن “الحرمان التعسفي من الحق في الحياة” يتضمن ” القتل غير المشروع إبان الأعمال العدائية، أي قتل المدنيين والأشخاص العاجزين عن القتال ممن لا يخضعون لسلطة أحد أطراف النزاع، وأنه غير مبرر بموجب الاتفاقات التي تحكم سير الأعمال العدائية”. وبالتالي، وفقاً لـ ” النظام الدولي القائم على القواعد” ، فإن قتل المدنيين غير قانوني.
لكن كل ما فعله البنتاغون بشأن قتل الأطفال في كابول، أنه اعترف على مضض، في النهاية بقتل رجل بريء والعديد من أفراد أسرته، حيث كان من غير المرجح أن لا يتم الكشف عن أي شيء لولا العمل الذي قامت به صحيفة “نيويورك تايمز”.
ومع ذلك، فإن كل ما حدث، هو أن البنتاغون التف على الموضوع بالقول: “نحن آسفون وسنضخ الأموال لعلاج المشكلة”. وفي 20 أيلول الماضي، صرح قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال فرانك ماكنزي لوسائل الإعلام، إن الصاروخ الذي أطلقته طائرة بدون طيار أصاب السيارة في الساعة 4:53 مساءً، ما أدى إلى وقوع انفجار متبوعاً بألسنة لهب أكبر بكثير عما كان متوقعاً لصاروخ “هيلفاير”.
ورداً على ذلك رأى مراقبون أن الجنرال- ربما- لا يدرك مدى استخفافه وهو يقول عبارة “انفجار” وتصريحه أننا ندرس دفع تعويضات للمدنيين. والأكثر سخفاً أن صاروخ “هيلفاير” الذي أطلقه الجيش الأمريكي قتل معظم أفراد عائلة سائق السيارة، زميراي أحمدي الذي عمل لمدة 15 عاماً لحساب منظمة غير ربحية مقرها كاليفورنيا تهدف إلى مكافحة سوء التغذية في أفغانستان.
وحينها، أفادت وكالة “أسوشييتد برس” إنه عندما وصل زميراي البالغ من العمر 37 عاماً إلى المنزل بمفرده في سيارته، خرج ابنه البالغ من العمر 11 عاماً، وسمح زميراي للصبي بالدخول وقيادة السيارة في الممر. ركض الأطفال الآخرون للمراقبة، لكن صاروخ “هيلفاير” الذي سقط، بينما كانت السيارة تدخل في ساحة بيت العائلة أسفر عن مقتل سبعة أطفال، وابن بالغ، وابن شقيق زميراي .
وبعد ذلك، على النحو الذي أوردته صحيفة “نيويورك تايمز”، تم الكشف عن الأكاذيب المعتادة، فقد تبين أن كل ما أكده مسؤولو البنتاغون في الفترة التي أعقبت الغارة بطائرة بدون طيار، أنها كاذبة.
ومع ذلك، يواصل الرئيس بايدن التحدث، كما في ملاحظاته التي أدلى بها في أيلول الماضي قبل جلسة الأمم المتحدة، أن “الحقوق المتساوية وغير القابلة للتصرف لجميع أعضاء الأسرة البشرية هي أساس الحرية والعدالة والسلام في العالم”. وأعرب عن أسفه قائلاً: “فقدنا 13 بطلاً أمريكياً وما يقرب من 200 مدنياً أفغانياً من الأبرياء في الهجوم الإرهابي الشنيع على مطار كابول”، دون أن يذكر أي كلمة عن الأطفال الذين قُتلوا بصاروخه الذي أطلقته طائرة بدون طيار.
إن “حادثة الانفجار” التي قتلت زميراي أحمدي وابنه الصغير والأطفال الآخرين بعيدة كل البعد عن المجزرة الأولى للصواريخ الأمريكية بحق الأبرياء. فقد دمرت الضربات بطائرات بدون طيار قيم الحرية والعدالة والسلام التي تتشدق بها الولايات المتحدة، ولم تسفر إحداها عن اتخاذ إجراءات ملاحقة قضائية بعد مقتل مدنيين أبرياء.
بالعودة إلى أيار 2016، بعد أن اكتشف الرئيس أوباما “روعة” الغارات الأمريكية لطائرات بدون طيار، والتي يمكن أن تظهر سياسة الولايات المتحدة حول العالم، أشارت حينها مصادر عن قتل طائرة بدون طيار لسائق تاكسي باكستاني يدعى محمد عزام كان يكسب أجره اليومي الضئيل عن طريق نقل الركاب الذين عبروا الحدود من إيران إلى باكستان. في العادة كان يأخذهم فقط إلى القرى المجاورة، لكنه في يوم من الأيام أخذ رجلاً أراد الذهاب إلى مدينة كويتا، على بعد ثماني ساعات بالسيارة. انطلق بسيارته إلى المكان المخصص، وبعد توقفه لأخذ قسط من الراحة، استهدف صاروخ من طراز “هيلفاير” -تم إطلاقه بأوامر من أوباما- السيارة التي انفجرت إلى شظايا معدنية وحولت عزام والشخص الذي ركب معه إلى جثث متفحمة.
عزام ،سائق التاكسي، لم يكن مرتبطاً بحركة طالبان أو أي منظمة من هذا القبيل. لقد كان رجلاً بريئاً تماماً يحاول كسب ما يكفي من المال لإطعام أسرته المؤلفة من زوجته وأربعة أطفال صغار وشقيق مقعد بقي معهم.
إذا كان أي شخص في بلد أجنبي لا يستطيع الرد على غارات الطائرات بدون طيار يعتبر عدواً للولايات المتحدة، فلا داعي للاعتقال والتهمة والمحاكمة، فعندما يكون ذلك ممكناً، يتم قتلهم بصاروخ “هيلفاير”.
عند الحديث عن هذه الحادثة، لابد من الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي أوباما قام، قبل خمس سنوات بالتفويض الشخصي بحادثة الانفجار، وهو من شدد على اشتراط “ما يقرب من اليقين” بعدم تعرض مدنيين للضرر في الغارات المستهدفة، وأن الولايات المتحدة تحترم السيادة الوطنية والقانون الدولي. بعد ذلك، تبني الرئيس بايدن الذي يدعو بقوة إلى “الحرية والعدالة والسلام في العالم” هذه الصيغة المتعلقة باحترام القانون الدولي.
هنا، لابد من الإشارة، إلى أن قتل صبي يبلغ من العمر 11 عاماً، وهو يقود سيارة أبيه في ممر منزلهم يعد جريمة قتل واضحة، وكذلك الأمر بالنسبة لتفجير سائق سيارة أجرة بريء إلى أشلاء صغيرة وتعذيب الأسرى، وغيرها من الحوادث المماثلة، وانتهاكات حقوق الإنسان من الجوانب القانونية والأخلاقية الواضحة، لذا عليهم انتظار ردة الفعل المستقبلية.
والسؤال هل يعتقد الرئيس بايدن حقاً أن غارات الطائرات بدون طيار التي تشنها واشنطن، ووسائل التعذيب وسوء المعاملة، تسهم بطريقة ما في تحقيق العدالة ونشر السلام، متناسياً حساب آثار هذه الفظائع وعواقبها الوخيمة على العالم الأوسع؟.
يرى مراقبون، أنه يمكن إحصاء عدد الأبرياء الذين قتلوا بصواريخ “هيلفاير” ، لكن لا يمكن قياس الكراهية التي سببها موتهم., يمكن لواشنطن أن تنتهك القانون الدولي مع الإفلات من العقاب فيما يتعلق برد الفعل الفوري، سواء كان ذلك من جانب المؤسسات الدولية أو تلك المتضررة من الفوضى، لكن هذه المؤسسات كانت تشجع على العدواة والبغضاء والتصميم على الانتقام. وعلى الرغم من أنه لا يمكن قياس العواقب بعيدة المدى، فلا شك في أن “حوادث الانفجار ” سترتد على صانعيها لفترة طويلة قادمة.