ثقافة الشعوذة!
يرى الفاشلون عاطفياً واجتماعياً أن الشعوذة قادرة على إعادة الفرص الضائعة أو إحضار فرص غائبة، ويعتقد هؤلاء بأن ورقة الطلاسم، أو قطع التماثيل الحديدية توفر لهم حياة أفضل من حياتهم الواقعية المتردية، ذلك لأنهم غير مستعدين لتقبل الواقع الذي يثبت فيه فشلهم المستمر، فيذهبون لما وراء الواقع، بحثاً عن طوق نجاة مع النهاية مؤكدة بالسقوط، في حين أن مشكلتهم هي الواقع الذي يعيشون فيه مشكلات دائمة، لأسباب ترتبط بسوء الفهم والتنشئة والخداع والتزييف والتهاون، وغير ذلك من التشوهات النفسية والمكتسبة، حيث يميل هؤلاء المنفصلون عن الواقع إلى الاعتقاد بما يكتبه الساحر أو يمليه أخذ الفال والطالع في حجرات الشعوذة المحنّاة في دلالة على إبقاء النذور بعد أن نال المريد مراده على يد العرافة التي بها حاجة لطبيب نفسي هي الأخرى.
وتتسع دائرة الحظ حين تتحول مراجعة المشعوذين إلى (دينِ) لدى بعض الناس، فإليها يوكلون أمورهم، وعليها يعلقون آمالهم بالخلاص من أزماتهم المتفاقمة، وهذا وإن سكّن بعض آلامهم وقتاً قصيراً، فإنهم سيعودون، لما اعتادوا عليه من تخبّط وانفصال عن الواقع.
إن تحسين الوجوه لا يقع بطلسم يكتبه مشعوذ سيئ الصيت والوجه، وإن تحميل الأرواح والفعال لا ينتج من قطعة حديد تمثل امرأة مجملة، تلقي بسحرها على الفتاة التي تحمل الحديد في حقيبتها وروحها خواء من الجمال، إن مجاوزة الحقائق، والقفز فوق الواقع لا تمنح الإنسان الحصانة من المساواة والحساب، وهو يصرّ على اعتماد الشعوذة حلاً لعقده الاجتماعية والنفسية، ولا يفكر بزيارة عيادة طبيب نفسي أو مركز رعاية أسرية، أو يستشير خبيراً في الإرشاد والتأهيل النفسي، أو على الأقل أن يدافع عن نفسه، هذا إذا كان قادراً على المراجعة في بيئة تقدّس الشعوذة وترفض العقل وتتظاهر بالإدراك والفهم.
د. رحيم هادي الشمخي