شيءٌ ما يُعدّ لبيلاروس
طلال ياسر الزعبي
بعد فشل المحاولات الغربية السابقة في توظيف حادثة الهبوط الاضطراري للطائرة الإيرلندية “رايان إير” في مطار مينسك أيار الماضي، في استهداف جمهورية بيلاروس والوصول من خلال هذه الحادثة إلى استهداف روسيا البلد الذي يحتفظ بعلاقة تحالف استراتيجية مع هذا البلد الذي يشكل مانعاً طبيعياً لتمدّد حلف “ناتو” على حدوده الغربية، تحاول الدول ذاتها المستخدمة في السيناريو السابق إعادة الكرّة مرة أخرى ولكن هذه المرة باستخدام قضية إنسانية بحتة هي قضية اللاجئين.
فقد أعلنت كل من ليتوانيا ولاتفيا وبولندا أنها اتخذت إجراءات خاصة لمنع تسلل اللاجئين إليها عبر بيلاروس، ومنها نشر قوات من الجيش بدعوى منع اللاجئين من التسلل إلى أراضيها. ولإعطاء مشروعية لهذه الإجراءات لابدّ من قيام بعض الدول الخلفية كألمانيا بالحديث عن تسلل بعض اللاجئين القادمين من بيلاروس إليها عبر حدودها مع بولندا، وبالتالي فإن عناصر السيناريو السابق تجتمع مجدّداً في هذا الاستهداف بعد استبدال بريطانيا بألمانيا لضرورة إثبات صحة المزاعم.
ولكن التطوّر الغريب في هذا الموضوع كان إعلان رئيس الوزراء البولندي ماتيوش مورافيتسكي أن الوضع على الحدود البولندية البيلاروسية جزء من “حرب من نوع جديد”، متابعاً: إن السلاح الذي يستخدم في هذه “الحرب” بفعالية بالغة هو “التضليل”، ومضيفاً: إن “السوفييت تفنّنوا في الماضي في ذلك، أمّا الآن فحل الروس محلهم”.
إذن، القضية في جوهرها ليست خلافاً حدودياً حول اللاجئين بين هذه الدول وجمهورية بيلاروس، ولكنها على وجه الحقيقة تنتمي إلى العنوان الأهم وهو “استفزاز روسيا واحتواؤها”، وبالتالي فإن الغرب يعود تلقائياً إلى إعلان الوجهة الحقيقية لاستفزازاته المتكررة لجمهورية بيلاروس، وهي أن المعبر الطبيعي لتبرير العسكرة على حدود روسيا الغربية أصبح قائماً بوجود قضية اللاجئين، وذلك أن التفاهمات القائمة بين روسيا وحلف “ناتو” تمنع وجود قوات قتالية تابعة للحلف على حدود روسيا.
وفي الوقت الذي تتهم فيه دول الاتحاد الأوروبي مينسك بتعمّد تصعيد الأزمة وتدعو إلى فرض عقوبات على بيلاروس، تقول الأخيرة: إن قضية اللاجئين هي نتاج طبيعي لسياسات الدول الغربية الداعمة للإرهاب في مناطق معينة من العالم، وأنها أي أوروبا هي التي أعلنت في خضمّ ذلك عن رغبتها في احتضان اللاجئين.
وإذا ما أضفنا إلى كل ذلك العمل الحثيث لحلف “ناتو” على عسكرة منطقة البحر الأسود، وزيادة التحركات الاستفزازية للسفن الأمريكية والغربية على حدود روسيا في هذه المنطقة، فإن ذلك يبعث برسالة إلى جميع الدول المناوئة لكل من روسيا وبيلاروس في هذا الفضاء وعلى رأسها أوكرانيا، بأن دول الحلف مستعدة للوقوف خلفها في أيّ مغامرة تخوضها ضدّ هذين البلدين في المنطقة، ما يعني أن استفزازات “الأطلسي” في البحر الأسود هي إشارة تحريضية لمثل هذه الدول لاستفزاز روسيا عسكرياً، وبالتالي إشعال حرب جديدة في المنطقة، إما عبر أوكرانيا، وإما عبر بولندا ولاتفيا وليتوانيا ضد بيلاروس.
وقد أطلقت مينسك مجموعة من التصريحات التي تطلب فيها من وارسو وقف النشاط العسكري المسعور على حدودها لأن قضية اللاجئين لا تعدّ ذريعة مناسبة للنشاط العسكري غير المسبوق في المنطقة، الأمر الذي يؤكد أن هناك رغبة أطلسية باستخدام هذه الدول رأس حربة لاستهداف بيلاروس عسكرياً، الأمر الذي يبرّر تدخّل “ناتو” في هذه المنطقة تحت عنوان الدفاع عن بعض أعضائه، وبالتالي ترتفع إمكانية التصادم العسكري المباشر مع موسكو، ما ينذر باندلاع وشيك لحرب عالمية ثالثة بين “ناتو” وروسيا، وهو الأمر الذي لا تنفك موسكو تحذّر منه في أيّ حوار أو سجال كلامي مع الحلف.