المنتجون العرب وأزمة الغاز العالمية
سمر سامي السمارة
جذبت الاضطرابات الحالية في سوق الغاز الأوروبية انتباه الدول العربية التي تراقب عن كثب حالة أسعار الغاز، خاصةً وأن الدول العربية المنتجة للنفط تساهم بـ56٪ من احتياطي النفط ونحو 27٪ من الغاز الطبيعي على مستوى العالم.
وبحسب البيانات المحلية، أنتجت الدول العربية عام 2020 نحو 28٪ من النفط و15٪ من الغاز الطبيعي على كوكب الأرض، وتشكّل الإيرادات التي تدرّها المبيعات المصدر الأساسي لميزانيات وتطور هذه الدول.
أعربت منظمة الدول العربية المصدّرة للنفط “أوابك” في بيانها الأخير، عن اعتقادها بأن الأزمة في أوروبا، تنطوي بالفعل على تهديد لاستقرار سوق الغاز العالمي برمته، وخاصة مع اقتراب فصل الشتاء الذي يشهد ذروة الطلب، مؤكدةً أنها تراقب الزيادة غير المسبوقة في أسعار الغاز بالقارة.
كما ناقشت وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية في الشرق الأوسط أسباب الأزمة، حيث يشير بعض المعلقين إلى وسائل الإعلام الغربية والخبراء الذين يلقون اللوم على روسيا، مدّعين أن الهدف من تفوقها في مجال الطاقة يعود للأسباب الجيواستراتيجية والسياسية، مستخدمين مفردات عسكرية مثل “حرب الغاز، العدوان والأسلحة”.. وإلى ذلك من المفردات المستخدمة!.
تعكر هذه التخمينات الوضع، وخاصةً بالنسبة لأولئك الذين يقاربون الموقف بموضوعية أكبر، إذ يعتبرون أن ما يحدث هو أحد المظاهر التي يواجهها وضع السوق، موضحين أن ارتفاع الأسعار بشكل رئيسي يعود لتعافي الاقتصاد الأوروبي التدريجي من الركود الناجم عن جائحة فيروس كورونا. ونتيجة لذلك، تمّ إغلاق العديد من الصناعات والخدمات وتخفيض أنشطتها.
أدى الانتعاش الأولي إلى زيادة فواتير الطاقة، حيث ظلّ حجم الإنتاج والتسليم على حاله. بالإضافة إلى ذلك، ازداد الطلب على الغاز في آسيا.
ولإيضاح الصورة أكثر، حول سبب ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا، يستشهد الخبراء الاقتصاديون ببيانات تفيد بأن احتياطيات الغاز المسال في منشآت التخزين كانت الأقل في السنوات العشر الماضية. ويرجع هذا الارتفاع إلى انخفاض عدد العقود الممنوحة هذا العام بنسبة 39٪ مقارنة بالعام الماضي، ما يعني أن شركات الغاز والطاقة تتقاسم المسؤولية عن تراجع العرض في السوق.
في الحقيقة، لا يوجد دليل على أن شركة “غازبروم” قرّرت قطع إمداداتها عبر “نورد ستريم 1″، فلا يُعقل أن تفرض روسيا عقوبات على نفسها، خاصة وأنها تحتاج إلى موارد مالية من تصدير هذه المنتجات التي ستزداد بعد بناء “نورد ستريم 2”.
في غضون ذلك، تحاول المجموعات السياسية الأوروبية، والولايات المتحدة التي بدأت حرباً باردة ضد روسيا والصين، استخدام أي سلاح لعرقلة إطلاق “نورد ستريم 2”. ويؤكد المراقبون أن الأزمة الحالية في السوق العالمية هي أزمة مصطنعة ناجمة عن الرغبة في تقييد إمدادات الغاز من روسيا كجزء من الحرب الباردة الجديدة.
وفي ضوء تأخير بدء التشغيل، تستخدم أوروبا الغاز الطبيعي كسلاح سياسي ضد نفسها، لأن أزمة قطاع الغاز تهدّد اقتصادات جميع الدول، وتضرّ بمؤشراتها، وتحفز التضخم… إلخ.
في الوقت نفسه، يشير العديد من خبراء الاقتصاد إلى اهتمام روسيا بتوريد الغاز بموجب عقود طويلة الأجل، ما يساعد على استقرار السوق. وبحسب بيانات منظمة “أوبك”، تفضّل السوق الأوروبية الاعتماد على الصفقات قصيرة الأجل في السوق الفورية لـ 80٪ من مشترياتها من الغاز الطبيعي المسال.
اتبعت السوق الأوروبية هذا الخط لأكثر من عشر سنوات، ما يعرّض المستهلكين لتقلبات الأسعار. في المقابل، يركز المنتجون العرب ومورّدو الغاز المسال بشكل أساسي على العقود طويلة الأجل المرتبطة بأسعار نفط برنت، حيث يشعرون أنه يضمن الاستقرار في الأسواق ويضع عراقيل في طريق التقلبات الحادة في الأسعار.
لقد أظهرت الأزمة الحالية أن الجهود المبذولة لتوليد طاقة بديلة لتحلّ محل الغاز الطبيعي والنفط والفحم بالكامل غير كافية لتلبية مطالب العالم. علاوة على ذلك، فإن إجراءات الحكومات المتضرّرة من الأزمات لخفض الضرائب وتقديم فوائد مختلفة لمنتجي النفط والغاز لن تؤدي إلا إلى إبعاد بعض الاستثمارات اللازمة لتطوير مصادر بديلة. لذا فإن الرهان على هذه المصادر على المدى المتوسط والطويل ليس له ما يبرّره، وعندما تخشى أوروبا من نقص في الغاز، فإن روسيا تمنحها طوق النجاة بإعلانها أنه سيبدأ تشغيل “نورد ستريم 2” قريباً، وأن خط الغاز الروسي سيكون الأمل الوحيد في حلّ أزمة الغاز التي تخنق العالم القديم.