هل تعرف شخصيتك؟
غالية خوجة
هل تستطيع إدارة الأزمات والمصائب والمفاجآت السلبية بحكمة واعية؟
إذا كنت تفعل ذلك، فأنت توظف طاقاتك وخبراتك وتفكيرك وحواسك بموضوعية إيجابية لتحصل على نتائج أفضل الإمكان، أو أفضل الأسوأ، وتمتلك عقلاً مدركاً وواعياً يتمتع بالخبرة، وتوظيف ثقافة الخبرة في اللحظة الحرجة المناسبة التي تكظم الغضب في تلك اللحظة من أجل الفعل المفيد الذي يدير الأزمات والمصائب والمفاجآت، ويدبرها، ويديرها، دون وقوع المزيد من آثارها السلبية.
وهذا السلوك الحكيم، البعيد عن الغضب المدمر الذي يزيد من سلبيات الأزمة والمصيبة والمفاجأة السلبية، يعكس شخصية قيادية تبحث عن الحلول، ولا تصنع المشاكل، بل تحلّ المشاكل، وتوظف هذه المشاكل إيجابياً لتصل إلى الحل الأنسب وليس المناسب في تلك اللحظة السلبية الحرجة، وهذا يعني أنك شخصية قيادية.
أمّا الشخصية التي تصنع المشاكل وتفبركها وتزيّف الأحداث والوقائع والحوارات والواقع، فهي شخصية انهزامية، مهزومة، ماكرة، ضعيفة، تمتهن افتعال الأزمات والمصائب، لتمنع، كما تظن، أو تؤخر، الشخصية القيادية من تطوير الواقع، والتقدم في النجاح، لكنها غير مؤثرة مهما فعلت ومكرت، وسترتد ساديتها عليها عاجلاً أو آجلاً.
وهناك نوع آخر من الشخصية الانهزامية، أو السادية الهادفة إلى التسلط على الآخرين وتعنيفهم والمكر بهم والتآمر عليهم، لكن، بطريقة سادية ارتدادية، وهي المعروفة في علم النفس بـ”المازوخية”، أي التي تضر نفسها وتؤذيها بعلمها أو بجهلها، وبلا شك، ستؤذي الآخرين المحيطين بها نتيجة هذه التصرفات.
ولا بد من الحكمة قبل القيادة أو الانهزام، لأن “الرأي قبل شجاعة الشجعان/المتنبي”، والرأي الحكيم هو الذي ينجز التوازن بين الذات والآخر والمحيط الموضوعي.
وللوصول إلى الحكمة دروب عديدة، تماماً، كما الطرق المؤدية إلى صعود الجبل للوصول إلى الذروة، لكنّ الذروة تحتاج للمحافظة عليها لا الوصول إليها فقط.
وهنا، نتساءل: كيف نصل إلى الحكمة ونحافظ على توظيفها اللامع في الحياة؟
لنترك بصمة مضيئة لا بد من أن نكون قد أسسنا ذواتنا على حب المعرفة وتثقيف لساننا وضميرنا وأخلاقنا وأفعالنا بهذه المحبة المعرفية الأخلاقية، ومنها المعلومات العلمية والأدبية والثقافية، وأن نغرسها داخل شخصيات بيئتنا بدءً من الأسرة والمجتمع والعمل، وأثناء رحلاتنا وسفرياتنا الداخلية والخارجية، بل وأثناء مشينا في الشارع، لتزهر براعمَ ملونة تتفتّح مع الأجيال.
بكل تأكيد، سيذهب كل منا، يوماً ما، في رحلة لا رجعة فيها إلى هذه الحياة، أطال الله أعماركم، فلماذا لا نفكر أن نقود أنفسنا إلى الضوء الأبدي، من خلال ما نزرعه في قبورنا من خير ومحبة وعمل يبني لا يهدم، وأفكار تفيد وتطور ولا تجتثّ المفيد والخير؟
أن نبني قبورنا وموتنا بأعمالنا التي في هذه الدنيا، وحياتنا العابرة بنا لمرة واحدة بلا عودة، يعني أن نعي جوهر وجودنا الإنساني، وأن نرتقي بأنفسنا قبل أن نطالب الآخر بذلك، وهي مهمة، ورغم صعوبتها لمن لم يعتد عليها، تسهل كثيراً بعد ممارستها، فيبدع في ابتكار حياته ويكون سعيداً بما ينجزه، وبالأثر الذي سيتركه، ويمر بين الحياة والموت وهو مطمئنّ بسلام. وهذا ما يبحث عنه كل منا مهما اختلف لسانه وعرقه ولونه وجنسيته وديانته ووجوده وانتماؤه، لأن جميع الناس تدرك هذه الحكمة، لكن، ليس جميع الناس من يعمل بهذه الحكمة، ولأجل هذه الحكمة، التي هي بوابة سرية لمعبد “دلفي” المكتوب على قنطرته “إعرفْ نفسك”، والتي تحدّث عنها الكثير من الفلاسفة والمتصوفة وعلماء النفس والاجتماع والمثقفون، لترتق الذات الإنسانية إلى الإنسانية كمقام أعلى للروح والعقل والفكر والعمل، فهل عرفت شخصيتك الآن؟