معرض نصوح زغلولة.. الصورة بعتادها الكامل
تمثل رقعة الشطرنج ساحة الخسائر والموت في متعة لا تنتهي بين لاعبين يدافعان عن لونين متناقضين، لهذا الأسود وللآخر لونه النقيض الذي تتحرك عليه فيلة وجنود وخيول تحميها القلاع الرابضة في الزوايا، تبتلع كل ما ينكشف أمامها من سلاح الحرب.. هي مجرد رقعة للعب ليس إلا، لكنها في النهاية لا بد من الخسارة فيها تُسمّى لعبة الملوك وأحياناً ملكة الألعاب.
تورّط الفنان نصوح زغلولة في حزنه حين اختار رقعة الشطرنج التي يؤلفها الليل والرمل في 64 مربعاً حينما أضحى جزءاً من هذا المشهد الرهيب الذي بناه مصدوماً على هذا الحيّز القاتل. هنا القتل بكفاءة عالية حين تكون الضحية: العصفور والطفل والبراعم البيضاء، ربما دخل قصيدته مصاباً بفجيعة هذا العالم وممسوساً بسؤاله المؤلم: متى تُطوى هذه الرقعة اللعينة الملطخة بالدم الذي يفيض عن حاجة الملوك والأنبياء؟.
في معرضه الذي افتُتح في صالة جورج كامل عرض الفنان زغلولة لوحاته على شكل مربعات رقعة الشطرنج بحيث تمثل كل لوحة رقعة واحدة بعناصرها الجديدة والصادمة لنا، فكل جزء من اللوحة ضحية أو أثر يدلّ عليها، وقد اختار الترميز والتأليف الفوتغرافي حلاً لصورة واحدة مجموعة من العناصر السابقة التي يحركها ويغيّر من توضعها على هذه الرقعة القاسية في معناها الصريح والمباشر، أجنحة عصافير، أحذية أطفال وأثر الأقدام على الرمل.. صور متتابعة في جهد لا يخلو من الخبرة العالية وصولاً إلى تحقيق بلاغة الصورة وبلاغة الحزن والاحتجاج، أي حزن وقع في قلب هذا الفنان.
سنوات من العمل لتحقيق صورة تجاوزت الآلاف من اللقطات الذكية بعين خبيرة وقبلها فكر يسأل ويجيب، وكأن صاحب هذه العدسة قد وقعت عيناه داخله لتسكن قلبه المكلوم!.
لم تكن الصورة حيادية أو تعيش عالمها المادي، بل هي سؤال الفجيعة ذاتها عن هذا الوجود القائم على لعبة القتل والضحية، والأقسى حينما تكون الضحية ذلك الكائن الذي يعني السلام إن لم يكن السلام ذاته.
نصوح زغلولة المصوّر والفنان يروي كشاعر ومؤرّخ غير حيادي، ومن المؤكد أنه ينتمي لجرحه وإبداعه بكل إخلاص، لذلك كان هذا المعرض المسكون بكل الألم والذي يفرض السؤال عن قيمة الفنون إن لم تكن الإنسانية قيمة الحياة في اللوحة التي تسكنها الرقة ورهافة الفنان المبدعة.
أكسم طلاع