“اكسبو دبي” والقلق الأمريكي
أحمد حسن
على الرغم من طابعه الاقتصادي الصرف، وعلى الرغم، أيضاً، من روتينية الحدث، إلا أن “اكسبو دبي 2020” اكتسب صبغة سياسية محددة حين احتفى بالعيد الوطني لسورية بعد أقل من أسبوع على “القلق” الأمريكي الشهير من زيارة وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة إلى دمشق.
الرموز والدلائل هنا أكثر من واضحة: المكان، الزمان، الدولة المستضيفة، العلم السوري المرفوع، الكلمات التي ألقيت، نوعية الحضور وتعدديتهم، كل ذلك كان يقول بالفم الملآن أن هذه ظواهر لديناميات سياسية متغيرة في المشهد الإقليمي عنوانها الوحيد – وإن كان البحث عن دوري الوسيط و”المستثمر” أحد مفرداتها ودوافعها – “عدنا يا دمشق”، خاصة بعد أن “لمسنا” لمس اليد أن “قلق” واشنطن ليس إلا قلقاً سياسياً لا أنياب له، وبالتالي لا خوف منه، بل وأكثر من ذلك هو “قلق” لفظي يهدف لتسجيل موقف وحفظ خط الرجعة، مع ضرورة التذكير بحقيقة أنه “قلق” قديم يرتبط في منطقتنا بما يخص إسرائيل فقط، بذلك يكون أي تقارب عربي –عربي غير “ممسوك” وموجه مدعاة لاستثارته.
والحق أن في هذا التقارب ما يحفز واشنطن للقلق، فهو يحدث هذه المرة على خلفية حق الاختلاف في السياسات وضرورة مراعاة التباين في النظرة للمصالح والمواقف، وهذا داع أكيد للقلق فدمشق لا تُزار اليوم على قاعدة الخطوة خطوة كما يعلن البعض فذلك أمر لم تستطع فرضه حرباً دولية لا زلنا نعيشها، وليس وفق دفتر شروط مرفوض –لم يستطع “باول” فرضه في أوج الهجمة الأمريكية على المنطقة عام 2003- بل على خلفية مراجعة البعض للمرحلة السابقة والاعتراف الفعلي – الرسمي سيأتي لاحقاً – بخطل سياساتهم وانعكاساتها سلباً على أمنهم القومي ذاته، واكتشافهم أنهم وهم يطعنون دمشق فقد كانوا يطعنون أنفسهم بأيديهم.
هكذا يبدو قلق واشنطن هو قلق من يسلّم بهذه التغيرات الاستراتيجية ولا يملك معها حلاً، إنه، في مكان ما ومع الفارق في التأثير والاتجاه، يذكّرنا بـ”القلق” الشهير لصاحبه “بان كي مون”.
والحال، تلك هي أبعاد هذا “القلق” في هذه اللحظة السياسية الفارقة، بيد أن “قراءته” لم تكن واحدة عند الجميع، ففيما قرأه الفاعلون السياسيون كما هو – في الزمان والمكان الحاضر – فأقدموا، قرأه “الفعلة” والأتباع بعين الماضي وآمال “الثأر” فأحجموا بل تراجعوا، وإذا كان يمكن لنا فهم تراجع ميليشيا انفصالية تابعة لواشنطن خطوة للخلف، و”أمل” وزير خارجية دولة، عربية للأسف، غارقة في الدم السوري بـ”وقف تطبيع العلاقات مع دمشق”، فإنه من غير المفهوم إعلان البعض “عدم وجود خطط” لديهم لزيارة دمشق، فذلك خطأ في السياسة يكاد يرقى إلى مستوى الخطيئة الاستراتيجية، لأن قضية دمشق وزيارتها في هذه اللحظة ليست قصة زيارة عادية لعاصمة عربية ما، وليست لأجل دمشق فقط، بل هي، في جوهرها، تعبير مكثف عن رغبة، وإرادة، في استعادة أمن قومي عربي عام – وداخلي خاص لكل دولة على حدة – انكشف أمام الخارج منذ أن قرر هذا “الكبير” أن يطعن دمشق، بما ومن تمثل عروبياً، بحجة أن 99% من الأوراق بيد واشنطن وحدها، فطعن نفسه أيضاً لينتقل، بالنتيجة، من “كابينة” قيادة “النظام العربي” إلى غرف المساعدين الذي لا يمتلكون من الخطط سوى خطط استجلاب “الرز” فيما دول هذا الأخير تكاد تجاهر بخطتها الوحيدة القاضية بتكبيله بهذا “الرز” والتلاعب به كيفما تريد وتشاء.
خلاصة القول، تعبير واشنطن عن “القلق” هو تسليم فعلي بما يحدث في منطقة حبلى بالتطورات والتحديات. وتردد البعض في اقتناص اللحظة هو قصور في فهم وجهة هذه التطورات وفي استكناه حقيقة استئناف المنطقة – ولو بعد حين – لتقليد قديم يقول بلسان عربي فصيح: “وعزّ الشرق أوله دمشق”.