مؤتمر باريس حول ليبيا.. إلى أين؟
صلاح الدين إبراهيم
أُسدل الستار الجمعة الماضية عن مؤتمر باريس حول ليبيا الذي تم برعاية فرنسية وبمشاركة قادة ووزراء من نحو ثلاثين بلد معني بالأزمة، بالدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية “حرة” و”نزيهة” في 24 كانون الأول المقبل، مع التلويح بفرض عقوبات على كل من يعرقلها، ودعم خطة العمل الشاملة لسحب المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوى الأجنبية من الأراضي الليبية، التي أعدتها اللجنة العسكرية المشتركة التابعة للحوار الليبي، والتأكيد على الاحترام والالتزام الكامل بسيادة ليبيا واستقلالها ووحدتها الوطنية فضلاً عن رفض كل التدخلات الخارجية، مشدداً أيضا على أهمية الالتزام بالتنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار.
وهذا المؤتمر ليس الأول لمؤتمرات عديدة تهتم بالأزمة الليبية “الصخيرات، ولندن، وباريس، وروما، وأبوظبي، وباليرمو، وبرلين، وتونس، وجنيف وبوزنيقة”، وقد شكلت موضوعات الانتخابات، والدستور، وقطاع الطاقة، وتوحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية، والهجرة غير النظامية … إلخ، أجندة معظمها، ولكن أيا من كل هذه المساعي لم يؤد إلى طي صفحة الحرب العبثية التي ما إن توقفت حتى تعود للانفجار مرة أخرى بحسب معادلات الخارج ومصالح الداخل التي تزيد المشهد السياسي والعسكري تعقيدا.
وهو ما يطرح مجموعة من التساؤلات عن جدوى عقد مثل هذه المؤتمرات في ظل تعارض مصالح الدول المشاركة، حيث تمثل تدخلاتها في الشأن الليبي عاملاً أساسيا في الأزمة من ناحية، وعجز القوى السياسية الليبية عن الشروع في حوار ليبي داخلي يؤسس لتفاهمات سياسية قد تقود البلاد إلى الاستقرار السياسي والأمني من ناحية أخرى.
وإذا كان مؤتمر باريس يعلق آمال كبيرة على إجراء الانتخابات بوصفها الملاذ الآمن الذي سيقي الليبيين من براثن الحرب الأهلية المدمرة، فلا يزال إجراء الانتخابات لاختيار رئيس وبرلمان جديدين محل شك، حيث لا يتبقى سوى ستة أسابيع فقط على إجراء التصويت المزمع، وسط خلافات بين فصائل وهيئات سياسية متناحرة في الشرق والغرب حول القواعد التي يستند إليها الجدول الزمني للانتخابات ومن يمكنه الترشح فيها.
وفي هذا السياق، لا خير يرجى من هكذا اجتماعات لأن المشاركين أنفسهم كانوا سببا في ويلات ليبيا وحروبها بسبب اقتتالهم على النفوذ والمصالح والنفط الليبي. والأحرى بهؤلاء جمع أمراء الحرب للتوصل إلى اتفاق برعاية أممية يتم بمقتضاه تسليم سلاح الميليشيات وترحيل المرتزقة، وأي حل غير هذا لن يكون مجد في بيئة مثل ليبيا تتفشى فيها الجماعات المسلحة التي تحتمي بالخارج وتتعدد ولاءاتها الداخلية والخارجية، فالانتخابات ليست وسيلة للاستقرار بل هي نتيجة له، خاصة في بلد يعج بالميليشيات والمرتزقة وتحتكم فيه قوى الصراع للسلاح لا يمكن أن تؤدي فيه الانتخابات إلا إلى مزيد من الفوضى والاقتتال.