مؤشرات خطيرة لانحسار الطبقة الوسطى.. المطلوب مكافحة عاجلة لـ “الإثراء من الأزمة”
في زحمة الأزمات التي تتفاقم يوماً بعد يوم، وفي ظل موجات ارتفاع أسعار جميع السلع دون استثناء، وفي الوقت الذي تنخفض فيه قيمة الليرة مقابل موجات صعود سعر الصرف، مازلنا نلحظ مظاهر الثراء والترف لدى الكثيرين، ومسلسلات المنافسة في الصرف و”هدر المال” في المطاعم والفنادق ومتاجر الألبسة التي لم تعان خلال سنوات الأزمة من انخفاض زوارها، ففي الوقت الذي كان من المفترض أن تُغلق أبواب أغلبها شهدت زبائن جدداً ممن أفرزتهم الأزمة، وساهمت فصولها بازدياد عددهم على حساب الدفّة الأخرى من المواطنين ممن زادتهم سنوات الأزمة فقراً وعوزاً، فإن الطبقة الوسطى تنحسر شيئاً فشيئاً دون تدارك الجهات المعنية لخطورة الأمر ومنعكساته الاجتماعية والاقتصادية على المجتمع كونها المحرك الأساسي للإنتاج والاستهلاك!.
حالة مرضية!
أكد لنا العديد من الخبراء ارتفاع عدد الحالات “المرضية” ممن قادهم الحفاظ أو الانصياع خلف مستوى معيشي أوجدوه لأنفسهم وأصروا على الاستمرار بالعيش في إطاره أمام المجتمع، ففي الوقت الذي نعيش فيه حرباً اقتصادية كان من المفترض أن تجعل أغلب المواطنين في مستوى واحد، نشهد تزايد عدد الطلبة المقبلين على المدارس والجامعات الخاصة التي تجاوزت أقساطها ملايين الليرات، إضافة إلى الحفلات والأعراس التي تحتاج لحجوزات سابقة في المطاعم والفنادق نظراً للإقبال الكبير عليها، أو اقتناء أجهزة خليوية من الطراز الرفيع، وغيرها من المظاهر التي تكبّد أصحابها الكثير من المال، في حين أن أغلبهم من الموظفين ممن لا حول ولا قوة لهم سوى الراتب الذي لا يقوى على تلك المظاهر، والذي لم يعد يحتمل مزيداً من القروض والديون لمجاراة الحالة المرضية لأصحابهم ممن ساهموا بتقليص الطبقة الوسطى واضمحلالها.
مزايدة اجتماعية
وكي لا نقع في خطأ التعميم، اتجهنا إلى مختلف الفئات الاجتماعية، ليؤكد لنا الدكتور هيثم الشنتة، “علم اجتماع”، انقسام مجتمعنا اليوم إلى طبقتي الأغنياء والفقراء، مع تواجد قليل لا يمكن شمله بالإحصاء للطبقة الوسطى التي شدّها حبل تدني الأجور، وارتفاع مستوى المعيشة إلى دائرة الفقر التي تزايدت عاماً تلو الآخر مع تزايد القرارات المجحفة بحق المواطنين، ومراوحة الأجور والرواتب مكانها. في المقابل استطاع الكثير من المواطنين الحفاظ على ثرواتهم ومكانتهم الاجتماعية خلال أعوام الأزمة، معتمدين على مدخراتهم وصناعتهم وتجارتهم التي لم تطحنها وتلغها رحى الأزمة، ناهيك عن بروز طبقة “محدثي النعمة” ممن استغلوا حالات القصور في الكثير من المطارح لتحقيق آمالهم، وبناء ثرواتهم وأمجادهم، ليندرجوا عنوة تحت بند الطبقة الغنية، إضافة إلى قسم لا يُستهان به ممن كانوا في سنوات الرخاء، واستمروا في سنوات الحرب، متمسكين بمظهر اجتماعي معين لم يستطيعوا التخلي عنه حتى في أحلك ظروف الفقر التي رفض فيها الكثيرون الانصياع للواقع المرير، وخلع رداء الوهم الذي كبّدهم المزيد من الديون المادية وصلت لبيع أثاث منزلهم للاستمرار في سباق المزايدة الاجتماعية!.
أهمية اقتصادية
ولم يخف الدكتور زكوان قريط، “اقتصاد”، اختفاء الطبقة الوسطى تدريجياً في الفترة الأخيرة نتيجة التداعيات السلبية للأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة، وارتفاع الأسعار بشكل جنوني، إضافة إلى زيادة الضرائب، وانخفاض القدرة الشرائية، وارتفاع نسب البطالة، مع جمود الحركة الاقتصادية، ما أدى لاندثار الطبقة الوسطى وانزلاقها نحو الطبقة الفقيرة.
وأكد قريط على أهمية وجود هذه الطبقة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية كونها المحرك لاقتصادنا الوطني، وغيابها يعني تراجع الطلب والاستهلاك والنمو، كذلك سرعة هذه الطبقة باتجاه الهجرة وترك العمل، فهي تشكّل رأس مال بشرياً مهماً، وهي أساس التوازن والاستقرار الطبقي والاجتماعي في المجتمع، وقدم قريط حلولاً لإعادة هذه الطبقة إلى التركيبة الاجتماعية، منها تبني سياسات اقتصادية تنموية جديدة ومبتكرة عادلة على كل الصعد، ومكافحة الفساد، وخاصة فساد الطبقة الاجتماعية الجديدة “أثرياء الأزمة”، إضافة إلى زيادة الأجور وعدالتها كي تتوازن مع غلاء المعيشة، مع خلق فرص عمل جديدة.
صلة وصل
كذلك يؤكد سمير الإسماعيل، “باحث في الإدارة العامة”، أن تركيبة جميع المجتمعات تحتوي على الطبقات الثلاث، فلا يمكن أن ترجح كفة أية طبقة على حساب الأخرى، وفي حال حدوث أي تغيير في هذه التركيبة سنحصل على خلل في النسيج الاجتماعي، خاصة في حال تآكل الطبقة الوسطى، كما هو حاصل في مجتمعنا منذ سنوات الأزمة، إذ تعتبر هذه الطبقة صلة الوصل بين الفقيرة والغنية، وهي التي تحمل مسؤولية التوازن بين الطبقات، ناهيك عن أنها المنتج الأساسي للسلع والخدمات، أي المحرك الأساسي للاقتصاد من إنتاج واستهلاك، وانهيارها يعني انهيار أحد أعمدة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، منوّهاً إلى أن الطبقة الوسطى هي أساس الازدهار، وكلما كانت هذه الطبقة حيوية وصلنا إلى نمو اقتصادي طويل الأمد، ما يُحتّم توسيع قاعدتها من خلال إجراءات حكومية من شأنها تفعيل دور كل القطاعات الاقتصادية التي تضم هذه الطبقة، لافتاً إلى ضرورة التعاطي بجدية مع هذه الطبقة التي خلّفت وراءها في السنوات الأخيرة فجوة تحتاج لدراسات وأعوام لردمها، والبدء بتحسين المستوى المعيشي لتقليص دائرة الطبقة الفقيرة التي بدأت تتسع في ظل اتساع الطبقة الغنية وطبقة أثرياء الأزمة، ما يهدد بكارثة اقتصادية واجتماعية في القريب العاجل، وألقى الإسماعيل اللوم على غياب مراكز دراسات استراتيجية تضع خططاً ودراسات وحلولاً لأية مستجدات على بنية المجتمع.
ميس بركات