دراساتصحيفة البعث

استفزازات البحر الأسود

ريا خوري

 

استمرت الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي بالقيام بنشاطات عسكرية استفزازية في منطقة البحر الأسود، وهذا ما دفع القيادة الروسية للتعبير عن قلقها الشديد إزاء تلك النشاطات، لأنها تمثّل تهديداً للأمن الروسي الإقليمي، والاستقرار الاستراتيجي العالمي، هذا القلق ترافق مع تحذير رئيس أركان الجيش البريطاني الجنرال نيكولاس كارتر من مخاطر نشوب حرب بين الغرب الأمريكي الأوروبي وجمهورية روسيا الاتحادية، نظراً لغياب العديد من الأدوات الدبلوماسية التقليدية.

رصدت الرادارات الروسية تحليق أربع طائرات استطلاع تابعة لحلف شمال الأطلسي فوق البحر الأسود، وسفن الحلف في منطقة شمال غربي البحر الأسود مقابل شبه جزيرة القرم، الأمر الذي دفع الرئيس فلاديمير بوتين لانتقاد تلك التدريبات، معتبراً أنها تحد جدي لبلاده، خاصة في هذا الوقت الذي تشهد فيه الحدود أزمة هجرة بين روسيا وبولندا.

على مر التاريخ كان البحر الأسود ساحة صراع إقليمية ودولية حادة لوقوعه في منطقة متشابكة الجغرافيا والمصالح والعلاقات السياسية والعسكرية، وقد اكتسب البحر الأسود في السنوات الأخيرة أهمية متزايدة، خاصة في ظل الصراع الدائر بين روسيا من جهة، وكل من الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وحلف شمال الأطلسي من جهة أخرى، جراء الخلافات الساخنة بين الجانبين حول أوكرانيا وشبه جزيرة القرم.

الجدير بالذكر أن البحر الأسود شهد قبل نحو مئة وثمانية وستين عاماً ما عرف بـ “حرب القرم العالمية” التي دامت ما يزيد عن ست سنوات، جراء الصراع الدامي على مضيقي البوسفور والدردنيل اللذين يتحكمان بهذا البحر، ومن يسيطر عليه، وشاركت فيها بعض الدول الأوروبية وتركيا، إلا أن الصراع الجاري اليوم يأخذ شكلاً آخر تماماً، ولأسباب أخرى، وتشارك فيه دول أخرى وأحلاف عسكرية جديدة لم تكن موجودة يومها، إضافة إلى  وجود أسلحة فتّاكة جديدة متطورة وأكثر تدميراً وحرقاً .

لقد أثارت العمليات العسكرية التي تقوم بها دول حلف شمال الأطلسي في البحر الأسود حفيظة القيادة الروسية العليا التي نفت بشكل مطلق المزاعم التي يروّج لها الغرب عن نية جمهورية روسيا الاتحادية غزو أوكرانيا عسكرياً.

ترى القيادة الروسية أن منطقة البحر الأسود حيوية لاستراتيجيتها الجغرافية والاقتصادية، وأمنها القومي الاستراتيجي، لأنها تشكّل مدخلاً للمياه الدافئة في البحر الأبيض المتوسط وما وراءه، سواء من الناحية العسكرية أو الاقتصادية والجيوسياسية، بمعنى آخر هي شريان حياة لها في مجال الأمن الاستراتيجي والطاقة والتجارة والاقتصاد والقوات العسكرية البحرية، وما يقوم به الناتو لا يعدو استفزازاً، وبالتالي يدفع القيادة الروسية للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية من أي تهديد.