عازفة الهارب رهف شيخاني بين الصولو والثنائيات
لم تشغل آلة الهارب حيزاً صغيراً ضمن آلات الاوركسترا، وتضفي تأثيرها الساحر على الجمهور، وإنما توسطت مسرح الدراما في الاوبرا بأمسية عزف منفرد كصولو للعازفة رهف شيخاني، وبثنائيات مع مرافقة العود والكلارينيت والكمان من خلال أعمال مختلفة ومؤلفات خاصة من سورية، ورقصات متنوعة، فغلبت عليها الروح الغنائية، وقدمت عرضاً لتداخل أصوات آلة الهارب وتقنياتها.
وبعد الافتتاحية بالعزف المنفرد لشيخاني “روندو” للمؤلف م.عثمان (1975) من الموسيقا المعاصرة، قدم عازف العود والمؤلف كنان أدناوي (1984) مقطوعة كتبها للعود والهارب، فلفتت انتباه الجمهور بتوليفتها الغريبة بمشهدية جميلة بين أكثر آلات التخت الشرقي عراقة وانتشاراً وآلة الهارب التي بدأت بنغمات رقيقة تمهيداً للعود الذي اتخذ الدور الأول بلحن بسيط، ثم تسارع وترافق مع عزف شيخاني بالأصابع والضربات الخفيفة على حواف الهارب الخشبية، لتأتي القفلة المدهشة بحركة سريعة للآلتين في زمن واحد.
ثم قدمت شيخاني رقصة شرقية وتوكاتا للمؤلف خاتشادوريان (1903- 1978)، لتنتقل إلى متشيديلوف (1903-1974)، وعزف سويت “في جورجيا” المؤلف من مقطوعات صغيرة متلاحقة في وادي نهر ألازاني، ثم الدوامة، فبدأت بحركات سريعة ومتداخلة بإيحاءات تعبيرية توحي بالتخبط والقلق والغموض، وتشبه الدوران في المكان ذاته بلحن حزين بين تصاعد وخفوت، تخللته ضربات متتالية في مواضع، تلتها القلعة في الجبل، لتتغير الألحان في الخاتمة في العيد بألحان حيوية ونشطة ومتماوجة بين أبعاد أصوات الهارب والنغمات الخافتة في مواضع.
المقطوعة الثنائية الثانية كانت مع الكلارينيت- العازفة سيما الشهابي- بعزف رقصات فلكلورية رومانية للمؤلف بارتوك (1881-1945)، والمؤلفة من رقصات عدة، رقصة العصا، فبدأت الكلارينيت بالدور الأول بلحن جميل ومرافقة الهارب، ثم رقصة الوشاح ببداية أكثر سرعة وجمل صغيرة، وفي بقعة واحدة مضى اللحن البطيء للكلارينيت والهارب، تبعتها رقصة من بوسيوم وبولكا رومانية، لتُختتم بمقطوعة رقصة سريعة وحركات سريعة للهارب.
المقطوعة الثنائية الثالثة مقطوعة تشارداش للمؤلف مونتي كانت للكمان-العازفة أروى شيخاني- والهارب، وبدا التقارب الصوتي بينهما، والتناغم الذي استحوذ على إعجاب الجمهور، لاسيما باللحن العاطفي للكمان الموحي بتعبيرات متعددة، والذي اتخذ الدور الأول حيناً، والحوارية بينهما حيناً آخر، والدور المرافق في مواضع، فبدأت نغمات الهارب تنساب بشفافية، ثم تصاعدت الألحان بينهما ضمن انتقالات رائعة.
عادت شيخاني للعزف المنفرد بمقطوعة العندليب للمؤلف أليابييف باير (1787-1851)، واختُتمت الأمسية بعزفها المقطوعة الأجمل فانتازيا على ألحان من اوبرا “يوجين أونيغن” لتشايكوفسكي للمؤلف والتر كون الذي كتبها للهارب (1870-1930)، ووظّفت فيها شيخاني مساحة وتقنيات آلة الهارب بعرض أبعاد صوتها وأساليب العزف، مستخدمة تمريراتها السريعة على الأوتار في مواضع “غليساندو”.
إمكانات آلة الهارب
وبيّنت عازفة الهارب رهف شيخاني في حديثها مع “البعث” أن الأمسية أظهرت إمكانات آلة الهارب ودورها الأساسي، وكمرافق بأعمال مختلفة ومتنوعة، وعن أهمية المقطوعة الأخيرة أضافت بأن تشايكوفسكي كتب موسيقا جميلة جداً غنية بألوان تشبه الهارب.
وتوقفت معها حول التناغم بين الكمان والهارب، فبيّنت أن مقطوعات كثيرة ومعروفة كُتبت للهارب والكمان منذ مئات السنين، ويوجد تناغم صوتي متماسك بينهما، أما بقية الآلات فهي تجارب جديدة.
اختلاف صوتي وفني
المؤلف وعازف العود كنان أدناوي تحدث عن مقطوعة العود والهارب التي ألّفها لتعزف لأول مرة في هذه الأمسية، وهي تجربة جديدة، وربما تكون جديدة بالعالم العربي أيضاً بأن يلتقي العود والهارب بتوليفة خاصة ومختلفة صوتياً وفنياً، فآلة الهارب آلة ضخمة، وتمتلك مساحة كبيرة، ولديها “ريبورتوار” ضخم، أما “ريبورتوار” آلة العود فمختلف، وفي منحى آخر “شرقي” وبأساليب الكتابة، وهذه المقطوعة بُنيت على شيء له علاقة بالموسيقا السورية على إيقاع دور هندي إيقاع سبعة على أربعة، وهو أساسي بالموسيقا التقليدية، خاصة الموشّحات، وتألفت من ثلاثة أجزاء واختُتمت بأحد أشكال “الآربيجات”.
أهمية الصولو
وأعربت عازفة الكمان أروى شيخاني عن سعادتها بمشاركة الثنائية بين الهارب والكمان بمقطوعة تشارداش، وهي رقصة غجرية، ولها أكثر من طريقة تعبير للكمان، تظهر العلاقة بين الكمان والهارب، فيبدو مختلفاً عن حضوره كمرافق في الاوركسترا، وتابعت بأن هذه الأمسية تعد تحدياً بالنسبة لها لعزف صولو أو مرافقة بثنائية كونها معتادة على العزف الجماعي مع الفرقة السمفونية، وقدمت سابقاً مقطوعة صولو مع الفرقة السمفونية، أما هذه الأمسية فتظهر إمكانات عزفها على الكمان بشكل منفرد أو ثنائي.
ملده شويكاني