ذاكرة المستقبل
سلوى عباس
عناوين متنوّعة ومميزة لمراحل عمرية متعدّدة تضمنتها دور النشر المشاركة في معرض الكتاب السوري الذي انتهت فعالياته مؤخراً في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق، وقد كان لكتاب الطفل حصة كبيرة في هذا المعرض، حيث شكّل أسلوب طرح الكتب في المعرض وألوانها وإخراجها وتجمهر الأطفال حولها ببراءة لانتقاء ما يريدون قراءته بمرافقة أهاليهم حالةً جماليةً ملفتةً، ولعلّ ما ميّز المعرض أيضاً توفر الكتب لكافة الأعمار، مثل الكتب المخصّصة لأعمار دون الخمس سنوات كالألعاب والأدوات التعليمية المبسّطة التي تناسب هذا المستوى العمري، والتنوع الذي شهده المعرض من حيث المواضيع المقدّمة وطرق عرضها وإخراجها وبلغات متعدّدة، بالإضافة إلى وجود البرامج التعليمية المتنوعة، فتح آفاقاً جديدة أمام الأهل لزيادة ثقافة ومعارف أبنائهم، ولا يخفى على أحد أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه الثقافة -التي يمثل الكتاب أهم أركانها وروافدها- في زمن الفضائيات ووسائل الاتصال الأخرى أنها تعمل الشيء الكثير.
ولا يخفى على أحد ما تمثله القراءة من أهمية في الحياة، وربما هي مناسبة لنتوجّه عبرها إلى كتّابنا ليوجهوا اهتمامهم أكثر للأطفال من المرحلة العمرية “مرحلة اليفاعة”، حيث هذه الشريحة ضائعة ما بين الصغار والكبار، وبالتالي نعاني من قلة الكتب التي تتوجّه لها، ولا أعتقد أن هناك ندرة في الموضوعات التي يمكن طرحها لهذه الفئة العمرية، فهي كثيرة ومتنوعة وتحتاج منا إلى المبادرة في بذر الأمل والفرح في نفوس أطفالنا بدل أن نحبطهم، لأننا نريد أطفالنا أقوياء ومتفائلين ويحققون مستقبلاً مشرقاً، وعلينا هنا ألا نغفل المنافسة الشديدة التي يعيشها كتاب الطفل ككل، حيث لا نستطيع أن نقارن الكتاب مع الشاشة الملونة والمبهرة سواء شاشة التلفزيون أو الكمبيوتر أو السينما، وحتى الألعاب الإلكترونية، وهنا يأتي دور الأهل، والمدرسة والمجتمع بأن يتمّ توجيه الأطفال باتجاه القراءة، وترسيخ عادة أن تكون الكتب هي الهدايا المتبادلة بين الأصدقاء ليشعر الطفل أن الكتاب شيء ثمين، والأهم من ذلك أن يكون الكتاب بالمستوى المطلوب، فربما لا يوجد كتاب نموذجي بالمطلق، لكن علينا أن نجهد لأن يكون لدينا كتاب نموذجي من حيث الرسوم والنص وشكل الكتاب كطباعة وإخراج، وعندما يكون الكتاب مكتمل العناصر يجذب الطفل ويحرّض خياله، والخيال أساس الإبداع والابتكار.
في إحدى زياراتي للمعرض لفت نظري وجود طلاب مدارس من المرحلة الابتدائية ترافقهم مدرّساتهم اللواتي كنّ يضبطن حركة الأطفال خلال تجوالهم في أجنحة دور النشر المتخصّصة بكتاب الطفل، ويشرحن للأطفال أهمية المعارض التي تجعل أمامهم خيارات كثيرة ومتعدّدة في الاطلاع على الكتب التي تنمّي ذائقتهم المعرفية والثقافية، أطفال يثلجون الروح من إشراقة الفرح التي قرأتها في أعينهم وهم يتصفحون الكتب ويتجولون في أجنحة المعرض ويكتشفون أسرارها بفضولهم الطفولي، ومشرفو الدور يتفاعلون معهم ويشرحون لهم عن الكتب التي يعرضونها، وعندما سألت إحدى المدرّسات عن طبيعة هذه الزيارات للمعارض والمعايير التي تضعها الوزارة كجزء من خطتها التربوية والتعليمية، حيث معارض الكتب تشكل النواة الأولى في جذب الطفل إلى معرض الكتاب وتوفير الظروف التي تؤهله لاختيار كتبه بنفسه، أجابتني بأنهم يتبعون لمدارس خاصة يندرج ضمن مناهجها مسائل اصطحاب الأطفال إلى كل الفعاليات التي تنمّي شخصيتهم وذائقتهم الثقافية والمعرفية من مسرح وسينما ومعارض كتب ورحلات ترفيهية وغيرها، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لا تتضمن مناهج مدارسنا العامة والخاصة هذه القضايا التربوية والتعليمية المهمة لتنشئة جيل تكون الثقافة والمعرفة رافداً أساسياً في بناء مستقبل يليق به؟!.