مصطفى العقاد مبدعاً وشهيداً
بات مؤكداً من خلال الندوة التي أقيمت مؤخراً في المركز الثقافي في أبي رمانة وشارك فيها الإعلامي محمد قاسم وعوض القدرو مخرج فيلم “مصطفى العقاد مبدعاً وشهيداً” والذي عُرِض في الندوة بمناسبة الذكرى 16 لاستشهاد العقاد أنه من الصعب الخوض في تفاصيل سيرة مصطفى العقاد المبدع والغنية بالإنجازات التي حققها على مستوى عالمي. وأكد القدرو أن العقاد لم يُكتَشف بعد كمبدع خاض تجارب سينمائية كبيرة لم ترَ النور إلا بعد جهود عظيمة بذلها، مبيناً أنه حريص في كل عام وفي ذكرى رحيله على إقامة فعالية تتحدث عنه، مشيراً إلى أن فيلم “مصطفى العقاد مبدعاً وشهيداً” هو جزء من حبّه وولعه بعالم السينما وبشخص العقاد، وقد حاول من خلاله وبصوت الفنانة منى واصف تلخيص سيرة حياة العقاد ورصد أبرز محطات حياته منذ أن أبصر النور في حلب إلى لحظات استشهاده على يد الإرهابيين التكفيريين، موضحاً أن الفيلم أُنتِج عام 2006 بعد رحيله بأشهر بالتزامن مع احتفالية حلب عاصمة للثقافة الإسلامية، مبيناً أن العقاد رحل في الوقت الذي كانت المؤسسة العامة للسينما تستعد لتكريمه في الدورة 14 لمهرجان دمشق السينمائي. ونوّه القدرو بأنه عرف ما معنى كلمة مخرج من خلال العقاد حين شاهد فيلم “عمر المختار” في إحدى دور السينما بدمشق وكان العقاد حاضراً، وقد عرَّفه والدُه الذي كان يعمل في المؤسسة العامة للسينما عليه على هامش عرض “عمر المختار”، وحينها طلب منه أفيش الفيلم الملصق على واجهة دار السينما فما كان من العقاد إلا أن طلب نزعه وإعطاءه له كهدية، والقدرو كما بيَّن مازال محتفظاً به حتى الآن.
مسيرة حلم
أما الفنانة منى واصف والتي كانت حريصة على حضور الندوة فقد بيَّنت أن مصطفى العقاد يعني لها الكثير، وهو برأيها كان مصرّاً على تحقيق حلمه وعلى ما يريده، مبينة كيف اختارها لتكون في فيلم “الرسالة” بعد أن حضر إلى سورية وشاهدها، وقد كانت من بين ثلاث ممثلات كنّ مرشحات لتجسيد شخصية هند بنت عتبة إلى جانب سميحة أيوب وماجدة الخطيب ليقع عليها الخيار في النهاية، وبصوتها لخَّصت منى واصف في الفيلم مسيرة العقاد فبيَّنت أنه ولِد عام 1930 في حلب وكان والده بكري العقاد موظفاً في الجمارك، ودرس في مدرسة فرنسية ونال شهادة التعليم الابتدائي، وقد بدأ ولعُه بالسينما من خلال علاقته الحميمة بجاره الذي كان يعمل في إحدى صالات السينما واطلاعه على آلية عرض الأفلام السينمائية وقصّ المشاهد الممنوعة من العرض، ومع دخوله الكلية العلمية الأميركية لتحصيل تعليمه الثانوي بدأ هذا الولع ينمو، فبدأ بتأليف وإخراج المسرحيات التي كانت تُعرض على مسرح الكلية واستطاع من خلال مسرحية “شعلة في الصحراء” لفت أنظار أساتذته لموهبته، فساعدوه على مراسلة بعض الجامعات الأميركية، وبعد حصوله على الشهادة الثانوية وفي العام 1954 سافر إلى أميركا ودرس السينما في جامعة جنوب كاليفورنيا، ونال منها شهادة الماجستير، وعمل أثناء الدراسة في الصحافة قبل أن ينتقل إلى العمل السينمائي كمساعد منتج مع المخرج سام بيكنباه الذي استفاد منه كثيراً، إلى جانب اشتغاله في قسم الأخبار في الشبكة التلفزيونية CBS حيث أنتج لحسابها عدةَ أعمال برامجية وتسجيلية وروائية. وأشار قاسم والقدرو وواصف في الندوة إلى أن العقاد رفض في هوليود أن يغيّر اسمه كما نصحه كثيرون قائلاً: “اسمي الذي أعطاني إياه الوالد لا يمكن أن أغيّره”.
تحفة فنية وأيقونة
وكما رفض مصطفى العقاد تغيير اسمه بيَّن المشاركون أن هاجسه دوماً كان أن يغيّر نظرة الغرب إلى الإسلام من خلال فيلمه “الرسالة” عام 1976 الذي عُدّ من أفضل الأفلام التاريخية العربية، ويصفه النقاد بأنه تحفة فنية، وقد صدر بنسختين: عربية وإنكليزية، حيث كانت النسخة العالمية من بطولة أنطوني كوين، مؤكدين أن فيلم “الرسالة” حقّق نجاحاً ثقافياً وفنياً كبيراً، وسرعان ما أصبح من كلاسيكيات السينما العالمية المعاصرة، ففيه عرف العقاد كيف يخاطب المشاهدين، مسلمين وغير مسلمين، وكيف يعالج الرسالة الإسلامية، حيث تدور أحداث الفيلم في الفترة الأولى للدعوة الإسلامية ونزول الوحي على الرسول “ص” وتصوير بشاعة هند بنت عتبة التي جسّدت دورَها الفنانة منى واصف وهي تأكل كبد حمزة رضي الله عنه، وقد أدّت الممثلة العالمية ايرين باباس الدورَ نفسه في النسخة العالمية وتُرجَم الفيلم إلى 12 لغة وحصل مخرجه العقاد بعد صعوبات كثيرة واجهت تنفيذ الفيلم على تمويل من ليبيا لإنتاجه، وترشح الفيلم لجائزة الأوسكار كأفضل موسيقا تصويرية ليتبعه العقاد عام 1979 بفيلم “عمر المختار” الذي حقّق نجاحاً كبيراً وتحول إلى أيقونة، وتدور أحداثه في ليبيا عام 1929 حول البطل الليبي عمر المختار الذي وقف ضد الاستعمار الإيطالي وجسّد شخصيتَه أنطوني كوين، والفيلم سيناريو وحوار هاري كريج واشترك في الفيلم نحو 250 ممثلاً من دول أوربية، بالإضافة إلى أكثر من 5000 من الممثلين المساعدين، وقد آثر العقاد أن يكون بطله أجنبياً بهدف إقناع المشاهد الغربي بعدالة القضية التي يطرحها الفيلم. كما بيّن المشاركون في الندوة أن العقاد أنتج وأخرج أفلام سلسلة الرعب “هالووين” وقد بدأ العمل بها منذ العام 1978 حتى عام 2002، وأوضحت ديما العقاد ابنة أخيه والتي حضرت الندوة أيضاً أن اسم العقاد مازال موجوداً في أكاديمية علوم السينمائية في هوليود، وأن رسالته مازالت مستمرة، وقد أطلقت الجامعة التي درس فيها في كاليفورنيا الجنوبية مؤخراً منحة باسمه للطلاب السوريين تنفيذاً لوصيته، منوهة بأنها اليوم تعمل على ترميم نيكاتيف فيلم الرسالة وطبعه بالصيغة الرقمية.
رحل العقاد وهو يستعدّ لإنجاز فيلم عن محرر القدس صلاح الدين الأيوبي لتثبيت عروبة فلسطين، ومن المعروف أن مصطفى العقاد رحل هو وابنته ريم في تفجير وقع في أحد فنادق عمّان في الأردن، وكان قادماً من أميركا إلى سورية ليحضر تكريمه في مهرجان دمشق السينمائي الدولي الرابع عشر، وقد منحه السيد رئيس الجمهورية وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة تقديراً لمواقفه القومية والوطنية، كما سمّت مدينة حلب أحدَ شوارعها باسمه تخليداً له.
أمينة عباس