مجلة البعث الأسبوعية

أعداد المتسولين تتزايد في حلب والمعنيون  يتقاذفون المسؤولية!!

البعث الأسبوعية -حلب – معن الغادري

من جديد تبرز ظاهرة التسول في حلب كواحدة من أخطر المشكلات الاجتماعية التي تتزايد بصورة ملحوظة وبطرق وأساليب مبتكرة، وتقودها مجموعات متخفية تقوم باستغلال الأطفال والفتيات والنساء وكبار السن وأصحاب الإعاقات الجسدية تحت عناوين العوز والحاجة والمرض والبطالة وغيرها من المشكلات الاجتماعية المزمنة.

وبعيداً عن الأسباب والمسببات والدوافع لاتساع حدود هذه الظاهرة التي تبدو مهنة منظمة ومألوفة في الشوارع والساحات والحدائق والأسواق وعلى أبواب المساجد وعند إشارات المرور، وما يمكن أن ينجم عنها من مخاطر محدقة على واقعنا المجتمعي والبيئي والتربوي، نجد أن المشكلة تتمثل في غياب المتابعة والمحاسبة وعدم وجود تشريعات قانونية رادعة بحق الذين يستغلون براءة الطفولة والفتيات سواء من قبل أوليائهم أم مشغليهم، يضاف إلى ذلك تراجع دور الجهات الحكومية والجمعيات الأهلية والخيرية المعنية بإيجاد حلول جذرية لإنهاء أو الحد من هذه الظاهرة المؤذية .

أساليب مبتكرة

تتنوع أساليب وطرق التسول، فالبعض يلجأ إلى الطلب المباشر بداعي الفقر والعوز، وآخرين يحاولون استمالة المارة من خلال الأدعية ، وهناك من يستخدم الأطفال الذين يحملون قطعاً من البسكويت أو الحلوى وعرضها على المارة، وأكثرهم هم الذين يستغلون إصاباتهم الجسدية وعجزهم، والكل ينضوي تحت أمرك مجموعات تحترف هذه المهنة تقوم بتوجيه هؤلاء الأشخاص للتسول أمام المساجد وعند إشارات المرور وأمام أبواب المديريات والمؤسسات .

مشاهد مؤذية

الانتشار الواسع للمتسولين بحلب بات يشكل مظهراً يومياً مؤذياً للنظر والمجتمع على السواء، والملفت في هذا الملف أن الجهات المعنية باحتواء المتسولين والقضاء على هذه الظاهرة لا يتعاطون بجدية مع هذه القضية الاجتماعية، والجميع يتقاذف ويتهرب من المسؤولية، وهو ما يفسر اتساع رقعة المتسولين في كامل المدينة وجلهم من الأطفال والأحداث، وفيما بعد تطورت هذه الظاهرة ليصبح لكل مكان جماعته الخاصة به ولا يجوز لأحد تجاوز المنطقة المسموحة بها .

وتلتقي أسباب انتشار ظاهرة التسول في المجتمع مع عدة أمور أهمها: انتشار البطالة والفقر في المجتمع ، وما أفرزته الحرب الإرهابية من مآسي وويلات أسهمت  في ازدياد أعداد المتسولين ، يضاف إلى ذلك احتراف هذه المهنة من قبل مجموعات توارثوها من آبائهم وأجدادهم ويتناقلوها جيلا بعد جيل.

الطفلة  (ن . ش ) تبيع البسكويت أمام باب أحد المساجد تقول : أبيع البسكويت للحصول على كمية كبيرة من المال، بينما السيدة (ح.أ) تقول: أشحد لتأمين مادة الحليب لطفلتي فأنا مطلقة وليس لي أحد في هذه الدنيا، وكذلك هو حال العجوز (س.د) يقول : أولادي طردوني ولم يبق لي سوى الجلوس ومد يد لتأمين لقمة الطعام، واللافت أن هذه الظاهرة تطورت ليصبح لكل مكان جماعته الخاصة به ولا يجوز لأحد تجاوز المنطقة المسموحة بها .

الأمر منوط بالشرطة

تواصلنا مع مدير الشؤون الاجتماعية والعمل السيد صالح بركات الذي أكد أن عملية مكافحة هذه الظاهرة بات منوطاً بالشرطة وبالقبض على المتسولين وإحالتهم إلى القضاء .

ويتابع بركات غالباً ما يتم الإفراج عنهم من القضاء أو إحالة البعض منهم إلى مكتب مكافحة التسول والتشرد في مديرية الشؤون الاجتماعية لرعايتهم وإعادة تأهيلهم من خلال التعاون مع بعض الجمعيات الأهلية والخيرية ، مشيراً إلى أن موضوع التسول بحاجة إلى حلول جذرية والى قرارات صارمة تحد من هذه الظاهرة ، بالإضافة إلى إمكانيات ودعم لاحتواء هذه الظاهرة المجتمعية الخطرة ، مبيناً أن مديرية الشؤون الاجتماعية لا تملك الإمكانات المطلوبة ، حيث ما زال مقر جمعية المتسولين والمتشردين خارج الخدمة ومشغول من عدة جهات ، ولم تلق كل مطالباتنا بإفراغه من الشاغلين وإعادة تجهيزه ووضعه في الخدمة أي استجابة وما زال المقر على وضعه الراهن!.

وجهة نظر إنسانية

الدكتور رامي عبيد مدير أوقاف حلب يرى أن المشكلة اجتماعية وإنسانية ، مشيراً إلى أنه وبالرغم من خضوع هذا الملف لإجراءات وتدابير قانونية وإدارية إلا أن نواتها الأساسية تتمحور حول إنسانية الإنسان وكرامته ولطف الطفولة وبراءتها وفي مقاييس الشريعة لابد من مد يد العون والمساعدة والصدقة والإحسان للمحتاجين والسائلين بما يساهم في الحفاظ على كرامة الناس ومشاعرهم ويصب في خدمة المصلحة العامة ، وفي سورية تفاقمت المشاكل الاجتماعية والنفسية نتيجة الهزات والتحولات الكبرى التي أحدثتها الممارسات الإرهابية وظروف الحرب ، ولذلك ووفق الفقه والمنطق ” لا يصح العقاب إلا بعد اكتمال الاكتفاء ” ومن هنا المحاسبة ليست وسيلة ناجعة مع غياب الرعاية لذا يقع على المجتمع بمختلف مكوناته ومؤسساته مسؤولية تشاركية تتركز على رعاية واحتضان هؤلاء الأطفال والشبان والفتيات، لأن إهمال هذه الظاهرة قد يؤدي إلى نشوء مشاكل أكبر بكثير ربما تصل إلى حد الانحراف والسرقات والإجرام وتعاطي المخدرات، لذا ولابد من دق ناقوس الخطر بهذا الشأن .

وأضاف الدكتور عبيد : أنه في سياق نشر التوعية والإرشاد الاجتماعي العام كان لمديرية الأوقاف عدة مبادرات في سجن الأحداث تهدف إلى دراسة المشكلة من جذورها ومعرفة الأسباب الحقيقية الكامنة وراءها من أجل وضع الأسس الصحيحة والمناسبة عند الدخول في طور المعالجة ، لأن القاعدة العامة تقول التشخيص الدقيق وتحديد أساس المشكلة يقود إلى العلاج المجدي والدقيق .

آلية جديدة..

أمام هذه المشكلة الاجتماعية الخطرة لا بد من التأكيد على ضرورة وضع نواظم جديدة لآلية عمل مكاتب وهيئات مكافحة التسول والتشرد وذلك بالتعاون مع وزارة الشؤون ومديرياتها في كل المحافظات، والعمل بشكل جدي لإطلاق برنامج ومشروع وطني وفق أسس ومعايير ناجعة لمكافحة ظاهرة التسول، وأن يتزامن ذلك مع حملة توعية تبين مخاطر استمرار هذه الظاهرة وذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة وفي المدارس والمساجد ودور العبادة، بالإضافة إلى تنشيط وتفعيل دور الجمعيات الأهلية والخيرية وتوفير جميع مستلزماتها واحتياجاتها لإنجاح مهامها وأهدافها في مجال احتضان ورعاية المتسولين وإعادة تأهيلهم مجدداً ليكونوا فاعلين ومنتجين في المجتمع، وبعيدين عن متناول المستغلين من متزعمي عصابات التسول.

وبانتظار تحقيق ذلك نأمل من محافظة حلب وكحل إسعافي القيام على الفور بحملة واسعة لمكافحة هذه الظاهرة، واتخاذ كل الإجراءات المطلوبة والصارمة بحق المتسولين ومشغليهم، وتفعيل دور القضاء في هذا المجال لمعاقبة المتورطين الذين يدفعون الأطفال أو الفتيات لممارسة هذا النوع من الجرم.

هامش..

هناك العديد من أشكال التسول منها غير المباشر ويسمى بالتسول الظاهر أو المقنّع،  وهو أن يستتر المتسول خلف خدمات رمزية يقدمها للناس، كدعوتهم لشراء بعض السلع الخفيفة أو مسح الأحذية وغيرها من الأساليب، وهناك التسول الاختياري وفيه تظهر رغبة بل هدف المتسول في كسب المال، وهناك ما يسمى أيضاً بالتسول الجانح وهو من أخطر الأنواع ويرافقه أفعال إجرامية مثل السرقة والقتل وغيرها من الأفعال، ويضاف إلى ذلك التسول الإجباري وهو الذي يجبر فيه المتسول على ممارسة هذا الفعل مثل إجبار الأطفال على ذلك، ويبدو هذا النوع من أخطر أنواع التسول نظراً لاضطهاد براءة الأطفال مستغلين حاجتهم لكسب بضعة مئات من الليرات لسد الرمق!.