المشاكل الخدمية والصعوبات المعيشية تتفاقم .. لماذا لا تفكّر الحكومة خارج الصندوق؟!
رغم الظرف الاقتصادي الصعب الذي يعيشه المواطن السوري لكنه يبقى متفائلاً بغد أفضل، لكن للأسف مساحات التفاؤل والأمل تكاد تنكمش مع استمرار الأداء الكلاسيكي الممل الذي جعل أزماتنا على اختلاف أنواعها تتراكم إلى درجة التعقيد!.
هنا ثمة سؤال يفرض نفسه: لماذا لا تفكّر الحكومة ولو قليلاً خارج الصندوق وتخرج عن المألوف في تفكيرها من أجل إيجاد حلول ناجعة بالتغلب على حالة الرتابة التي تصبغ أداءها الذي ينعكس بالنتيجة على أداء مؤسساتنا كافة على اختلاف مستوياتها؟، هو سؤال مشروع في زحمة المشكلات المتراكمة التي طال أمد حلها وكأنها معجزة تحتاج لمنجمين وسحرة!
لا للمحسوبيات
مجموعة من طلبة كلية الاقتصاد بجامعة دمشق انتقدوا السياسات والخطط الاقتصادية التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة خلال سنوات الحرب، وأكدوا أنه كان بالإمكان أفضل مما نحن عليه الآن، وتساءل أحدهم: هل يعقل أن لا يكون لدينا خطة لتشغيل الشباب؟، فيما أبدى آخرون تفاؤلهم بعد الإعلان عن مسابقة مركزية ستعلن عنها الحكومة تستهدف تأمين 100 ألف فرصة عمل، آملين أن تتحقق فيها العدالة وفق معايير دقيقة بعيدة عن المحسوبيات!.
طلبة كلية الزراعة أشاروا إلى وجود أبحاث علمية قيمة في الأدراج لو تم استثمارها -حسب قولهم- لأعطت الحلول للكثير من المشكلات التي تعاني منها المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية، وأشار الطلبة إلى وجود وحدات إنتاجية حيوانية وزراعية تابعة للكلية ذات مردود علمي ومادي تمنوا لمو يتم تعميمها في كل المحافظات لتكون منتجاتها عوناً للمواطنين في ظل هذه الظروف الصعبة.
الأدراج أو سلال المهملات
وفي كلية الآداب وتحديداً بقسم علم الاجتماع كان هناك خمسة من الطلبة يتناقشون في موضوع بحثي لأحد زملائهم، ولدى سؤالهم عن جدوى أبحاثهم، لم يترددوا بالقول “لا جدوى منها .. مصيرها الأدراج أو سلال المهملات”، حالة التشاؤم هذه فسرتها الطالبة مجد بطرحها لسؤال: كيف سيكون لأبحاثنا جدوى والخريجين في القسم غير مشمولين بأي مسابقة توظيفة؟!
ولا يبدو طلبة كلية العلوم السياسية بجامعة دمشق أوفر حظاً من طلبة قسم الاجتماع فهم أيضا لديهم نفس المعاناة، حيث أغلبهم يعمل بعد التخرج مدرساً لمادة الوطنية في المدارس أو مقرر القومية في الجامعات!.
وبرأي طلبة الكلية أن هذا سبباً يجعل غالية الخريجين في الجامعات والمعاهد يفكرون بالهجرة بحثاً عن عمل، متسائلاً ماذا فعلت اللجنة الوطنية للحد من الهجرة؟!.
موازنات للترقيعات!
من يتجول في الضواحي القريبة من دمشق يلاحظ بشكل واضح أن الواقع الخدمي لها ليس كما يجب، وحال ما تسأل القاطنين يقولون أن الموازنات المرصودة لتحسين الخدمات لا تنفق بكاملها، مشيرين إلى “سياسة الترقيع” التي يعتمدها رؤساء البلديات بحجة أن الأموال المخصصة للبلدية لا تكفي!.
ويرى المواطنون أن تفاقم المشاكل الاقتصادية والخدمية زاد الطين بلة لدرجة أن الثقة انعدمت بالحلول حتى الإسعافية منها، وتساءل بعضهم: بتنا على أعتاب “كوانين” ولم نحظ بالخمسين ليتر مازوت، وجرة الغاز يتجاوز انتظارها الـ 90 يوماً، فعن أي انفراجات قريبة يتحدثون؟!
أين المشكلة؟
اليوم نحن بأمس الحاجة للتجديد والإبداع والابتكار في العمل، فمن غير المقبول في القرن الـ 21 أن نتعامل في إدارة شؤوننا بعقلية كلاسيكية مملة .. نحن بحاجة لأفكار جدية ومتجددة عصرية يبدعها أصحاب الكفاءات والخبرات وما أكثرهم وهم التواقون لفرصة لإثبات ذلك بالفعل لا بالقول.
وطبيعي أن نسأل: أين المشكلة هل هي في اختيار الأشخاص لموقع المسؤولية أم في آلية إدارة العمل بالمؤسسات، أين طوق النجاة ؟!، سؤال من المفروض أن يوضع على الطاولة ويناقش بكل شفافية وجرأة من أجل إجابة ترضي الشارع الذي ما زال عنده أمل بإصلاح الحال!.
بعيداً عن التنظير!
الدكتور سامر المصطفى عميد المعهد العالي للتنمية الإدارية بجامعة دمشق يرى أننا نحتاج اليوم إلى الكثير من العمل الجاد بعيداً عن التنظير بعد كل التخريب والدمار الذي حصل والذي كان له تأثيرات سلبية على الاقتصاد وبشكل خاص على الوضع المعيشي والخدمي للمواطن، مشيراً إلى أن المسافة بيننا وبين الآخرين باتت كبيرة, وهذا ما يحتّم على أصحاب القرار الانتباه والاهتمام بمهنية الإدارة بحيث تصبح الكفاءة والجدارة الإدارية للمديرين المعيار الذي على أساسه يتم اختيار القيادات الإدارية القادرة على التعامل الصحيح مع مفرزات الثورة التكنولوجية، والتي تحتاج لفن إداري حديث في مختلف مفاصل الدولة ومختلف المستويات الإدارية، منوهاً بمشروع الإصلاح الإداري الذي يعد بالحلول للكثير من القضايا.
كل الحكاية!
أن الشعب الذي صمد يريد “العنب لا قتل الناطور”، فعلى الحكومة أن تعمل بكل جهودها لأجل استثمار الطاقات الكامنة الاقتصادية منها والبشرية وتحويلها لطاقات منتجة .. نريد من الحكومة أن تخلع عنها الثوب التقليدي فيما يخص أدائها وتطلق العنان للتفكير المبدع بطريقة مختلفة وبكل الاتجاهات والمجالات، ويبقى رهاننا على الكفاءات والخبرات القادرة على ابتكار الحلول لكل المشاكل التي نعاني منها على مدار عقود!!.
غسان فطوم