إلى فيروز في عيد ميلادها
وداد سلوم
صوتها كالشمس إذ تشرق فتعلن مولد الصباح.. وأي صباح لا يبدأ بصوت فيروز؟.
هي صوت النور، حين نسمعه نغتسل من لوثة التعب والظلام القانط في ثنايا الروح والأجساد، فندرك أن الحياة ما زالت تسير صاعدة بنا درب الحبّ والجمال البعيد في أعماقنا نقياً، تجني مواسم الأغاني والأحلام تحمل في سلتها رفوف العصافير ورسائل الشجر والقمر والدروب القروية المنسيّة وانتظار المحبين، فتحترق القلوب في العشق كما القصائد.
صوت التفاصيل الصغيرة في بيت الجدة وفي مواعيد الحب في اللهفة الفاضحة وفي حياء الهموم.
صوت المحب الذي لا يوقفه النكران ولوعته كما هو الحب المطلق والذي يبقى حتى في الهجران تحت ظل الفصول مكتفياً بالحنين والمواويل المجروحة يقتات البقاء والحنين.
صوت المتعبين الذاهب في النسيان والمتروك على السطوح يتشمّس كالزبيب والتين وجدائل العاشقات المنتظرات.. و”البنت اللي بتنسى حالا”.
صوت السهريات وكذبات البطولة المسلية وانتظار الحلم أن يحمل خواتم الحكايات.
صوت الحب المنشود الصافي كنبع صنو الإنسانية في التشكل رغم عذاباته في الحرمان والغياب، صوت الفرح واحتياجه في اشتداد الحزن والحرب والفقدان.
صوتٌ لا زمن له، فتخال أنه ولد مع البشر كما صوت الموج والريح والثلج والأمومة ونداء العيون.
تخرج فيروز من عباءة المغني لتصير هي الأغنية التي لا تمرّ مرور الكرام، بل تثير فينا زوابع الوجود والرغبة باقتناص الزمن، فتنبّهنا إلى أن الحياة مشوار قصير، وأننا عابرون.
كل أغنية قطعة فنية مشغولة بصيحات البحارة والفلاحين والصيادين وآلام الذين علكتهم الحرب والغربة بأنيابها، بآلام الحب وسعادته، أو تكون رسالة للتاريخ والمدن التي لا تموت، إذ هي وطن ثابت حين العالم يتزحزح تحت أقدام المفاهيم.
فيروز قصيدة تتكرّر في كل أغنية بلغة مختلفة من الجمال وأبدع ما أثمره الفن لنا وفينا.
فماذا يمكننا القول عنها في عيد ميلادها! هي المتجدّدة والمرتقية بذوقنا في عصر رديء ويمضي برداءته إلى النهاية.
من مثلها غنّى للوطن فانحفر على جلدنا وشماً، وعشنا معها الخجل مما يعترينا في لحظات الضعف والاغتراب، وبعيداً عن كل الأناشيد الوطنية والحماسية هل هناك من قال الوطن كما قالته في أغنية “عم يلعبوا الولاد تحت السما الزرقا.. عم يلعبوا”؟.