التشكيلية عزة حيدر.. الشجرة تزهو بالماء الملون
افتُتح مؤخراً في صالة عشتار للفنون الجميلة بدمشق معرض الفنانة التشكيلية عزة حيدر التي قدّمت مجموعة من أعمالها الجديدة المنفّذة بتقنية الرسم المائي “الأكواريل”، استمراراً لمحاولاتها ومعارضها السابقة، وكان آخرها المعرض الفردي منذ سنوات في صالة كامل للفنون، إضافة لحضورها الدائم والخجول على المستوى الشخصي في المشاركات الجماعية للملتقيات التشكيلية والمعارض، فهي الفنانة المجتهدة دون ضجيج، تعمل بصمت وتحضر بلوحتها وشفافيتها وبتلك النظرة الفاحصة لعزلة تختارها.
نتعرّف إلى شفافية هذه الفنانة الشابة من خلال حساسيتها العالية وتوجّهها نحو هذا الأسلوب من رسم الموضوع الواحد الذي لا يتعدى الشجرة أو مجموعة من الأشجار القليلة في مساحة تتنفس فيه حواس، وتتسع لتلك الدرجات اللونية من عائلة واحدة على الورق أو القماش المبلّل، حيث بصعوبة تدخل اليد إن لم تكن رفيقة هذا الماء الذي سيرسم عالم الفنانة العميق والباحث عن سكينة مفقودة على هذه الأرض بمدنيتها وهندستها العاقلة، فتتداخل السماء مع الأرض في شجرة ترسمها عزة لتدلنا أن هذا المكان المزيج بين التراب والهواء البارد خلق ذات شتاء قصير بعد خريف طويل كانت مشاعية الألوان هي ثياب الكون ووحدته.
على لوحة صغيرة المساحة يتنفس الفنان بكل مهاراته التقنية التي تعينه على البقاء حياً، يتنفس برودة وعزلة العالم الذي أدخل نفسه فيه، فلا خلاص إلا بالدخول عميقاً نحو تلك الذات التي يسكنها العالم بفطرة البداية الأولى وطهارة تلك الولادة البيضاء.. هي عزة حيدر التي ترسم بمنتهى الطهارة عالمها الشاسع والمفتوح على السهول التي تعلو وتتداخل في سماء نظيفة من الغيوم، لكنها غنية برطوبة الماء الملوّن والمتدرّج بخطايا الفنان البريئة. هذا المعرض أحد تلك المعارض المهمّة والقليلة، خاصة وأنها تنتمي إلى تلك الجهة من الفنون التشكيلية التي تعتمد الرسم المائي الصعب قواماً وحاملاً لمواضيعها التي تأسر رائيها بكفاءة نادرة.
عزة حيدر فنانة بكفاءة الرقة والشفافية والبحث الجديّ والعزلة المبدعة، ترسم شجيراتها بقلب طفل وسماء تتسع لكل العصافير التي لم تصل بعد.
أكسم طلاع