رئاسة ليبيا هاجس فرنسا الوحيد
علي اليوسف
بعد مؤتمر باريس الدولي من أجل ليبيا، أصبح التجاذب السياسي وحده يسيطر على المشهد الليبي، بحيث بات كرسي الرئاسة هو الهاجس الوحيد لكل الأطراف المتصارعة في ظل غياب رؤية سياسية واضحة عن إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية تحت إشراف الأمم المتحدة، وخاصة قوات “السلطان العثماني” الذي يصرّ على أن وجود قواته هناك شرعي، وأنها جاءت بطلب من الحكومة السابقة المستقيلة!.
صحيح أن المؤتمر لم يخرج عن النطاق الدبلوماسي، إلا أن ما طفا على السطح لاحقاً هو الصراع على كرسي الرئاسة بعد أن خيّمت الفوضى وعدم التوافق على المؤتمر لجهة اللاعبين جميعاً، وبالتالي بات اقتناص الفرصة أو الانقضاض على كرسي الرئاسة هو الهدف الرئيسي، وهذا بالطبع يعتمد على قوة كل طرف وداعميه الإقليميين.
ومن دون مقدمات مسبقة دخل سيف الإسلام القذافي حلبة الصراع، ووصل بنفسه إلى مكتب المفوضية العليا للانتخابات لاستكمال طلب الترشح، والسؤال: من هي الجهة التي دفعت به للترشح؟. كل المعطيات تشير إلى أن نجل معمر القذافي يعتمد على إرث والده، وتحديداً بين القبائل التي تقرّر موضوع الرئيس، وربما يشكل مفاجأة كونه لم يتورّط في الدماء الليبية، وبالتالي هو الوحيد تقريباً الذي يقف على مسافة واحدة من جميع الأفرقاء، ولهذا فإن احتمال فوزه بالرئاسة يؤخذ في الحسبان، خاصةً وأن ما قد تؤول إليه الأمور لا يعني أن جماعة أو قوة سياسية ما قد هزمت الأخرى.
ربما يكون هناك تنسيق وتوافق فرنسي- أمريكي على سيف الإسلام القذافي، وهما الشريكان الأساسيان في مقتل والده وتدمير ليبيا، وهذا التحليل لم يأتِ من فراغ، فالرئيس الفرنسي لم يعد لديه أي حرج من أي شيء، ولاسيما أنه اعترف قبل عدة أسابيع خلال القمة الفرنسية الإفريقية بأن مشاركة بلاده في الحرب على ليبيا كانت خطأ، ولهذا يصرّ على إجراء الانتخابات في 24 كانون الأول القادم تحت أي ظرف، بمعنى استغلاله الفوضى وعدم التوافق لتمرير مشروعه ومشروع الحلف الذي تقف في صفه فرنسا، أي الانقضاض على كرسي الرئاسة بغضّ النظر عن اسم الرئيس المقبل.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف التقط الرسالة المخادعة، وبدبلوماسيته المعهودة قال: “إن العملية الانتخابية تحتاج إلى إعداد جيد، لمنع أي طرف من الطعن بنتائجها، بحيث تستطيع المشاركة فيها جميع القوى السياسية، وحتى أنصار الزعيم الراحل معمر القذافي، على أن يسبقها خروج كامل ومتزامن للقوات الأجنبية بغير استثناء”.
لكن كامالا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي، التي حضرت المؤتمر مدججة بالعقوبات، ردّت صراحة على لافروف بأنه ستتمّ محاسبة الذين قد يحاولون عرقلة العملية الانتخابية الليبية أو التلاعب بها أو تزويرها، وأن لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي هي التي ستنفذ العقوبات وليس غيرها.
أمام هذا التجاذب، وحتى موعد الانتخابات تتزاحم الأسئلة هنا وهناك، وتزداد تعقيدات المشهد بعد أن رمى ماكرون كرته في ملعب الأزمة السياسية التي صنعها الغرب، بمعنى تفصيل الحلول كلّ على مقاسه. لكن ما لم يخطر ببال الرئيس الفرنسي أنه سيقع في الحفرة التي صنعها، لأن موافقة الفرقاء على بيان باريس الختامي لا تعني أبداً أن خروج القوات الأجنبية أمر سهل، كما لا توجد مؤشرات على أنّ الانتخابات المقبلة ستُجرى في موعدها المحدّد.