الذكرى الثالثة لاحتجاجات السترات الصفراء
هيفاء علي
تحلّ الذكرى الثالثة لاحتجاجات السترات الصفراء في فرنسا في وقت لا تزال فيه البلاد على حافة الهاوية، وبالنسبة لـ إيمانويل ماكرون، تعتبر الذكرى السنوية الثالثة لاحتجاجات السترات الصفراء تذكيراً بالانقسام الوطني حول الاقتصاد وإثباتاً على أن رئاسته يمكن أن تتغلّب على صدام قادر على شلّ البلاد.
كانت حركة السترات الصفراء قد انطلقت عام 2018 بسبب الغضب الشعبي من ارتفاع أسعار الطاقة، وقد عادت هذه الظروف للظهور في الأسابيع الأخيرة من عام 2021، بحيث بدت الرئاسة حريصة على تجنّب ثورة جماهيرية أخرى قبل بدء حملة الرئيس الفرنسي التي يقول مراقبون إنها ستكون صعبة لإعادة انتخابه في الربيع المقبل.
تحرك ماكرون بسرعة للقضاء على المزيد من الاحتجاجات في مهدها، ووعد بتقديم مساعدة مالية بقيمة 100 يورو (113 دولاراً) لستة ملايين شخص في الفئات ذات الدخل المنخفض لتعويض ارتفاع أسعار البنزين. وخلال المظاهرات الأخيرة للسترات الصفراء – التي سُمّيت على اسم السترات الصفراء الفلورية التي يتعيّن على سائقي السيارات الفرنسيين قانوناً الاحتفاظ بها في سياراتهم – تمّ رفض المبلغ واعتبروه سخيفاً للغاية.
كيف تنامت الاحتجاجات الصاخبة؟
ما بدأ كردّ عفوي على “ضريبة خضراء” مقترحة على الوقود سرعان ما اكتسب زخماً، بدعم من وسائل التواصل الاجتماعي. ومع تنامي التمرد، أدى ذلك إلى أخطر اضطرابات في شوارع فرنسا منذ الربيع الباريسي في أيار1968.
فقد أثار احتجاج ضد ضريبة الوقود على السائقين الفرنسيين المشاعر الأوسع المناهضة للحكومة. وعلى عكس الاحتجاجات الفرنسية السابقة، لم تكن هناك حركة نقابية أو منظمة، حيث استجاب المتظاهرون للنداءات عبر الإنترنت وغمروا الساحات العامة لمنع حركة المرور والاقتصاد.
في ذروة الاحتجاجات، كان هناك أكثر من 300000 متظاهر في الشوارع لدعم السترات الصفراء، وسرعان ما تحوّلت الاشتباكات إلى أعمال عنف حيث اشتبك الآلاف مع الشرطة. تشير التقديرات إلى أن أكثر من عشرين شخصاً فقدوا أعينهم ونقل عدد أكبر إلى المستشفى. كانت تخرج المظاهرات كل يوم سبت، وذات يوم، في بداية الاحتجاجات، تجمّع نحو 1300000 شخص وشاركوا في الآلاف من حواجز الطرق في جميع أنحاء البلاد. وقد حظوا بدعم اليمين المتطرف وأنصار اليسار المتطرف والعديد من العمال العاديين والبرجوازية الصغيرة، وكذلك المحرضين العنيفين مثل الكتل السوداء.
وبينما كانت الشرطة تكافح للتعامل مع حجم وكثافة الاحتجاجات، وصف فريديريك لاغاشي، الأمين العام لاتحاد شرطة التحالف، سخطهم من تحولهم إلى كبش فداء. قائلاً: “لقد تمّ حشدنا لمدة 20 عطلة نهاية أسبوع متتالية، دون راحة، 20 عطلة نهاية أسبوع متتالية تم انتقادها.. لقد سئمنا”.
في السنة الأولى الكاملة من الاحتجاجات، تمّ اعتقال أكثر من 10000 متظاهر، ما أدى إلى تسجيل 3100 إدانة و400 حكم بالسجن. تمّ الإبلاغ عن 10 إلى 13 حالة وفاة خلال الاحتجاجات، أو في أعقابها، ومن بين آلاف الجرحى، فقد 24 حالة من المتظاهرين أعينهم بعد أن أصيبوا برصاص مطاطي أطلقته الشرطة.
على الرغم من عدد المرات التي تصاعدت فيها الاحتجاجات السلمية إلى أعمال عنف جماعية وهجمات على الممتلكات، من الشركات الصغيرة إلى المباني الحكومية، فقد تلقت الحركة باستمرار دعماً شعبياً كبيراً في استطلاعات الرأي.
مآسي ماكرون
هزّت الاحتجاجات والاضطرابات التي أحدثتها ماكرون ووزراءه، ومن بين الامتيازات التي قدموها، تمّ تعليق خطة ضريبة الوقود وإدخال تحسينات طفيفة على بعض الفوائد. ألقى ماكرون خطاباً متلفزاً في كانون الأول 2018، على أمل استرضاء المحتجين.
مع انتشار مشاهد الاحتجاجات في أنحاء العالم، حذا محتجون من 25 دولة أخرى على الأقل حذو حركة السترات الصفراء، تراوحت دوافعهم من الدعم لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وقضايا اليمين المتطرف في كندا وأستراليا إلى الدعوات لمزيد من فرص العمل وتحسين الخدمات العامة في العراق، على سبيل المثال.
جائحة كورونا
أدّت جائحة الفيروس التاجي إلى فرض أول إغلاق (احتواء) فرنسي في آذار من العام الماضي ما أدى إلى توقف الحركة فعلياً. والسؤال الذي يطرحه مراقبون الآن هو ما إذا كانت محاولات حشد المتظاهرين مرة أخرى بشأن قضايا ميزانية الأسرة ستربك النظرية القائلة بأن السترات الصفراء، في الوقت الحالي على الأقل، قوة منهكة. ذلك أن كثيرين كانوا يعتقدون أن صفوف المتظاهرين تقلصت كثيراً بحيث لم تعد تشكل تحدياً جدياً رغم وجود السترات الصفراء أثناء المظاهرات التي خرجت ضد تطبيق الإجراءات المتعلقة بالبطاقة الصحية أو جواز السفر الصحي الخاص بكورونا والتطعيم الإجباري للعمال والمهنيين العاملين في قطاع الصحة.
يقول أحد الناشطين في الاحتجاجات وشارك في تأليف كتاب عن السترات الصفراء: “إن إضعاف القوة الشرائية والضروريات الأكثر تكلفة يمكن أن يطلق الموسم الثاني من السترات الصفراء، ويتوقع أن تمتد إلى ما وراء فرنسا”. ويتابع: “في بلد غير مستقر وله تاريخ طويل من سياسات الشوارع الصاخبة، من المسلّم به أن خطوة واحدة خاطئة من قبل الحكومة أو الشرطة يمكن أن تغيّر كل شيء”. ويضيف “إن أي إجراء أو تطوير أو جدل يساء فهمه يمكن أن يشعل البارود”.