في أمارة الشّعر
عبد الكريم النّاعم
شَغلتْ موضوعة “أمارة الشعر” القُدامى والمحدَثين المعاصرين من المهتمّين بالشعر، وقد حفلتْ كُتُب التّراث بما يوحي بشيء من ذلك، وإن لم يكن بالتحديد ذاته، وفي الذاكرة أمْدحُ بيت قالتْه العرب، وأهجى بيت، وأغزَل بيت الخ..، وأقدمُ ما وصلَنا، من العصر الإسلامي هو سؤال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) وقد طُرح مضمون هذا السؤال عليه، فقال ما معناه، “لم يجرِ الجميع في ميدان واحد”، وهو يعني شعراء ما قبل الإسلام، أي أنّهم لم يكتبوا في موضوع واحد لتجري المُوازنة، وتابع “فإنْ كان ولا بدّ فالملك الضلّيل”، يعني امرؤَ القيس، ولا يغيب عن البال سوق عكاظ فيما قبل الإسلام، والقبّة التي كانت تُضرب للنّابغة الذبياني، ليمنح بركة الشعر لهذا أو لذاك، كما لا تغيب عن البال “المعلّقات”، وبحكم سرعة التطوّرات في انتشار الإسلام في بداياته، غابت هذه النّغمة، وشُغِل النّاس بما هو أهمّ ممّا يتعلّق بتعاليم الإسلام، وتنظيم الأسرة، والمجتمع، والعلاقة بالله، بيدَ أنّ ما يُشبه هذه النّغمة قد عاد للظهور في الحكمين الأموي والعبّاسي، على أنّه كان أظهرَ في الدولة الأمويّة لأنّها كانت بحاجة إعلاميّة إليه لصرف النّاس عمّا قد لا يُريح تلك السُّلطة، وأخذَ شيئاً من هذا الملمح في العصر العبّاسي حين الكلام عن الشعراء القُدامى والمُحدَثين.
في العصر الحديث كانت الخطوة أوسع حين بُويع أحمد شوقي بأمارة الشعر، وتنازل عنها شوقي للشاعر اللبناني أمين نخلة، وتنازل عنها أمين نخلة فيما بعد للأخطل الصغير بشارة الخوري.
وكان أبرز حضور إعلاميّ، شعري، ماديّ لهذه الأمارة ما طُرح في برنامج “أمير الشعراء”، والذي يُتوَّج فيه في كلّ دورة أمير لتلك الدّورة، على ما يرافقه من شوائب، كالأخذ بتصويت المُتابعين للبرنامج، لأنّ الجمهور في هذا تختلف أذواقه، وسويّات المصوّتين، وميولهم، فقد يكون هناك أستاذ جامعي ويقابله من لاحظّ له من الثقافة إلاّ أن يكون هذا الشاعر أو الشاعرة من أبناء بلده، أو من الذين استمالهم ملمح ما قد لا تكون له علاقة بالشعر، وقد لعبت أجهزة الإعلام في بعض الأقطار العربيّة دوراً في حسم النّتائج، إذ فتحتْ الاتصالات مجاناً للتصويت، وهذا استنفار قطْريّ لا علاقة له بقيمة الشعر، ولا بأهليّة الشاعر، كما أنّ اللّجنة المكلَّفة بالتقييم، وبتعليل ذلك، ولسنا نشكّ في شهاداتها العلميّة، ولا في قدرتها الذّوقيّة، وهذا لم يمنع أنّ عليها أن تحقّق رغبة الجهة المانحة، فأُبعد من هو جدير بهذه الأمارة لأنّه من بلد ليس على انسجام سياسي مع الجهة المُموِّلة، وربّما كان فيما يشكّل غطاء تبريريّاً لهذه اللجنة القول المعروف مَن يدفع للزمّار يطلب اللّحن الذي يريد.
في رأيي أنّ أمارة قصيدة فازت لا يعني أنّ شعر ذلك الشاعر كلّه على السويّة الفنيّة ذاتها، وليتهم قالوا بأمارة القصيدة لا بأمارة الشاعر، ولستُ أغضّ من قيمة أحد ممّن تسابقوا، ففيهم شعراء متميّزون، ولا يشكّك عاقل في أهليّتهم، كما أنّ ذلك عرّفنا على شعراء من أقطار عربيّة أخرى لم نسمع بأسمائهم من قبل، بسبب القطيعة بين أقطارنا.
بهذه المناسبة، أختم بالأبيات التالية للأخطل الصّغير، والتي أنشدها في الحفلة التي أقامها الشعراء العرب تكريماً له، وقد تنازل له أمين نخلة عن تلك الأمارة، فكان ممّا قال:
اليومَ أصبحْتُ لا شمسي ولا قمَري
مَن ذا يُغنّي على عودٍ بلا وَتَرِ
ما لِلْقوافي إذا جاذبْتُها نَفَرتْ
رَعَتْ شبابي وخانتْني على كبَري
كأنّها ما ارتوتْ من مدمعي ودمي
ولا غذتْها ليالي الوجد والسّهر
aaalnaem@gmail.com