“العشوائيات” بيئة مشوهة للنشاطات والفعاليات المنفلتة من يد الضريبة المغلولة وعين الرقيب العوراء
دمشق – علي بلال قاسم
شكلت التجمعات والمناطق العشوائية باكتظاظها وتزاحمها السكاني مهرباً لنسبة ليست بالهينة من الفعاليات التجارية والإنتاجية، بحيث تحولت هذه الجغرافية المكانية إلى بيئة خصبة للنشاط المنفلت من سلطة القوانين والمتهرب من عين ويد النظام الضريبي الذي مازال وللأسف يعامل جموع المحال الخدمية والورش والمتاجر المنتشرة بكثافة – تناسب الضغط البشري “كمستهلكين” – على أنها خارج حساباته، تاركاً للفوضى دورها، وتجاوز الأنظمة فعلها، والتملص من الرسوم والضرائب منعكساتها، التي تفوت على الخزينة الملايين، ليبقى حبل التجاوزات وسوء الخدمات على الغارب، لدرجة أصيب الرقيب الصحي بعدوى الاستهتار وعدم التدخل، ما يجعل المستهلك والمتعامل والزبون عرضة للخطر والأذى، ومهدداً مناخات العمل وظروفها، ويفتح الأبواب مشرعة للكثير من الاعتلالات والتشوهات الاقتصادية بشقيها الصناعي والتجاري.
يدرك المسؤول قبل غيره بأن ظروف الحرب دفعت بأرباب العمل للنزوح والهروب إلى مناطق كانت العشوائية جزء منها، وهنا لسنا بصدد إشكالية كبيرة في ظل عودة أغلبهم للمدن والمناطق الصناعية الأم، لكن المعضلة تتمثل بمن يستغل هذه التجمعات السكانية بنمطها العمراني الفوضوي وغير المنظم ليؤسس لمحله أو ورشته المختبئة والمستترة، وجلهم من محدثي النعمة وطالبي التشغيل بعائديته المستعجل بلا أية محاصصة أو اقتطاع ضريبي وهؤلاء ليسوا بقلة، بل يشكلون النسبة الأكبر التي تضني القاطنين الذين ضاعوا بين المأوى السكني فاقد السكينة والانعدام الخدمي وبين الضجيج والفوضى التجارية والإنتاجية التي لا تهدأ ليل نهار.
اليوم وفي عقر معاناة التجمعات المخالفة ثمة نشاطات يتعامى عنها الرقيب التمويني والصحي والضريبي تحت “تمريقة” السكرة والتحلاية وقبض المعلوم للتستر وإخفاء الفعالية، لنكون أمام منتجات بلا مواصفات وسلع مجهولة الحسب والنسب، فالحديث يتعلق بورش خياطة وألبسة ومشاغل حلويات ومأكولات وتصنيع كل ما يخطر بالبال من أدوات وسلع يستلزمها السوق عدا المستودعات متعددة الأغراض التي تحوي بضائع محلية ومهربة، كلها تعمل في أقبية الأبنية والشقق المستورة، حيث تكثر سيارات الشحن الصغيرة المغطاة والمكشوفة لتوريد المواد الأولية وتصدير المنتجات بشتى أشكالها.
هي حقائق لم يفاجأ أحد أعضاء مجلس المحافظة عندما قدمناها له محاولين الوقوف على هذا النشاط ومنعكساته في حال بقي الحال على ما عليه، إذ اعترف بكل ما أوردناه، معتبراً أن حل المشكلة مركب من حيث العائدية المؤسساتية ومعقد في آليات التنفيذ، مؤكداً أن غياب قاعدة البيانات والإحصائيات لعدد المتاجر والمنشآت يشكل تحدياً يجب تجاوزه، للوصول إلى مسك خيط الحل الذي لن يكون بالسهل كما يتصور البعض.
الغريب في الأمر ألا أفكاراً أو خططاً أو برامج تلوح في الأفق عند تلك الجهة أو تلك لإخراج الورش والمنشآت من هذه المناطق وتنظيمها وترخيصها ووضعها على سكة التنظيم حتى ولو أبقيت مرحلياً وبشكل مؤقت في مكانها، المهم وضع الأمور على سكة الإصلاح والتقويم، وهذا مالا يلاحظه سكان هذه المناطق في القريب العاجل، إذ توضح كل المعطيات أن هذا التشوه سيبقى قائماً ليزيد المعاناة معاناة، أو كما ألمح أحد “المتنعمين” بالسكن العشوائي أنها “عقوبة” لذنب لم يقترفوه بأنهم مولودون في المخالفات “خاصرة التنمية الرخوة”.