بضائع مهرّبة تغزو الأسواق بأسعار منخفضة!
البعث الأسبوعية – ميس بركات
لم تنجح القوانين والقرارات والإجراءات الصارمة والرادعة من تواجد البضائع المهرّبة وبكثرة في جميع المحال التجارية، وفي الكثير من الأحيان على بسطات الشوارع العامة، لتكون الأغذية والألبسة والأدوية المهربة ما يرجوه الكثيرين هذه الأيام، فعلى الرغم من تأكيد وزارة الصناعة نهوض صناعتنا الوطنية بعد الأزمة واستطاعتها أن تخطو إلى الأمام، إلّا أنّ الواقع لازال يُثبت شلل هذه الصناعة وعدم قدرتها على إعادة كسب ثقة المواطن بها، لا سيّما وأنها لا زالت تقع في الكثير من المطبّات التي على ما يبدو باتت مستعصية الحلول، ليولي المواطن وجهته إلى البضائع المهربة ذات الجودة السيئة والسعر المنخفض عوضاً عن المنتج المحلي الذي فاق ثمنه قدرته الشرائية وضاهت جودته في الكثير من المطارح تلك البضائع الدخيلة على أسواقنا.
ضوابط خجولة
في حديثنا مع العديد من الصناعيين كان هناك طلباً بإيجاد حلول جذرية لحالة الاجتياح للبضائع المهربة والتي أودت بالكثير من الصناعات الوطنية البديلة لها إلى المستودعات والتخزين، ويؤكد عماد قدسي “صناعي” عدم وجود ضوابط حقيقية تحدّ من حالة الفلتان التي تسيطر على الأسواق، لا سيّما وأن الضوابط الخجولة الموضوعة من قبل وزارتي التجارة الداخلية والخارجية لم تتمكن من منع دخول بضائع لها بديل محلي في بلدنا، ذلك أن المشكلة تكمن في عدم القدرة على السيطرة التامة على المنافذ الحدودية، عدا عن منح إجازات استيراد للكثير من البضائع المنتجة محلياً تحت ذرائع عديدة، في ذات السياق أكد خاطر شهلا “صناعي حلبي” أن الصناعة السورية اليوم وعلى الرغم من محاولتها التعافي إلّا أنها تتعرض لهزّات أهمها وقوعها في مواجهة تنافسية للبضائع المهربة الخارجية الجيدة والرديئة الصنع، موضحاً أن الكارثة الحقيقية هي تفضيل المستهلك للبضائع المهربة السيئة ذات البديل المحلي وذلك طمعاً بالسعر المنخفض دون البحث عن الجودة، مشيراً إلى أن الحرب فتحت الباب على مصراعيه لدخول هذه البضائع في ظل عدم قدرة الحكومة على السيطرة عليها في تلك الفترة، لكنّ ما يدعو للقلق هو استمرار دخولها وبذات الكمية خاصّة وأنها تسببت بإغلاق الكثير من المعامل والمصانع بعد خسارتها دون شعور بأدنى مسؤولية من الجهات المعنية، خاصّة وأن منتجاتنا تخضع لرقابة وشروط صارمة، في حين المنتجات المهربة لا تطابق المواصفات القياسية السورية ولا تحمل فواتير نظامية.
نقاط ضعف
في المقابل ألقى خبراء الاقتصاد اللوم على سوء التخطيط والتنفيذ والقرارات التي تتخذها الجهات المعنية لوضع “العصي بالعجلات” في طريق الصناعة الوطنية، الأمر الذي يؤدي إلى هروب المستهلكين إلى البضائع المهربة المرتفعة الثمن والمنخفضة أيضاً، حيث أشار هيثم الفاعوري”دكتور اقتصاد” إلى وجود نزيف في قطاعنا الصناعي في ظل عدم التوصّل إلى الآن إلى برنامج متكامل لإصلاحه ومعالجة مشاكله، في الوقت الذي تستفيض فيه الجهات المعنية بوضع قرارات تزيد الأعباء المادية على هذا القطاع، خاصّة رفعها لأسعار المحروقات والطاقة الكهربائية و غيرها من القرارات التي رفعت تكاليف الصناعة السورية وأرهقت الصناعيين ممن لجأ البعض منهم إلى الاعتماد على مواردهم الذاتية في إقامة وتشغيل منشآتهم الصناعية بهدف الاستمرار، وفي الكثير من الأحيان خفّض الصناعيون جودة منتجاتهم إلى الربع مع رفع ثمنها لتحقيق هامش ربح بسيط لهم، في حين اتخذ ما تبقى من الصناعيين خيار الإغلاق، ولفت الفاعوري إلى مشكلة الترهل الإداري وعدم مواكبة التطورات العلمية الحاصلة في أنواع الصناعة المختلفة الأمر الذي انعكس على تكلفة ونوعية المنتج وبالتالي انخفض مستوى المنافسة، وبات الهم الشاغل اليوم لوزارة الصناعة المحافظة على الشركات القائمة وتأمين مستلزمات استمرارها في العمل والإنتاج وتأهيل الشركات المتضررة، لذلك يتوجب العمل على تصويب الدعم المقدم للصناعيين كي يحقق غاياته، مع اتخاذ حزمة إجراءات وسياسات وقرارات لحل مشكلة إعادة اقلاع الصناعة والإنتاج المحلي مع الالتزام بمبدأ الضريبة التصاعدية لتحقيق العدالة الاجتماعية وإخضاع نظام الإنتاج والتجارة والتسعير والتصدير والاستيراد لمعايير وضوابط اقتصادية تتماشى مع القدرة الشرائية ومستوى الدخل للمواطن السوري.
تحرير الاقتصاد
الخبير الاقتصادي محمد كوسا أرجع اتجاه المواطنين إلى البضائع المهربة ذات الجودة الرديئة والرخيصة الثمن إلى ضعف القدرة الشرائية لديهم، لافتاً إلى تفوّق صناعتنا في الكثير من المواقع وعلى مستوى عالمي “النسيج والذهب” وغيرهما، لكنّ اتجاه المستهلكين إلى المواد الغذائية المهربة سببه أن صناعتنا الغذائية يحكمها التكاليف الزائدة للمواد الأولية بسبب سلاسل التوريد، إضافة إلى عدم اقتناع الصناعيين بهامش ربح معقول، لاسيمّا وان المواد المهربة لا تتعرض للجمركة ولا تخضع لمقاييس الجودة، وأكد كوسا على حاجة صناعتنا السورية إلى تعديل العقليات السابقة بإدارة المنشآت الصناعية ومن ضمنها الأمور الضريبية والتي تسبب ارتخاء بالاقتصاد الصناعي، كذلك نحتاج إلى تحفيز البيئة الحاضنة للصناعة “قانون التشاركية، وقانون التجارة والاستثمار”، ولفت كوسا إلى أن أي استثمار صناعي يتأثر بالطلب، وحالة الطلب لدينا اليوم محدودة وتمر بركود تضخمي، لذا لابد من تحرير الاقتصاد من قيوده “حصار اقتصادي، سعر الصرف، ضعف الرواتب…” بالتالي النهوض بالصناعة الوطنية التي تعاني مشاكل مزمنة تراكمت على مر عدة عقود في ظل عدم وجود دراسة شاملة معمّقة أو تقييم موضوعي شفاف عن واقع هذا القطاع الذي لا زال يعاني من الإهمال الشديد!.