فراس السوّاح: لا وجود لفكرة صعبة إنما هناك أسلوب صعب
حمص- آصف إبراهيم
يعتبر الباحث التاريخي فراس السوّاح واحداً من أهم الباحثين العرب وأكثرهم إثارة للجدل بسبب آرائه وأبحاثه التي حطمت قوالب جامدة في المنهج البحثي التاريخي والأيديولوجي والمثيولوجي أيضاً، وحرّكت المياه الراكدة في مسلّمات وضعها ضمن دائرة النقض والتشكيك، ومن هذا المنطلق يعتبر حضوره محرّضاً على السجال والتفاعل في أي منبر يحل عليه، وهذا ما كانت عليه الندوة الحوارية التي أقامها اتحاد الكتّاب العرب بالتعاون مع محافظة حمص، والتي أتاحت الفرصة للكثير من المهتمين بالشأن الثقافي على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم السياسية والأيديولوجية كي يتبادلوا وجهات النظر والأفكار، رغم ميل بعضهم إلى المثاقفة، وكيل عبارات المديح الجوفاء.
أدار الندوة الناقد عطية مسوح الذي استفاض بمقدمته التعريفية بمؤلفات وأبحاث السوّاح، وقيمتها الفكرية والتاريخية.
في بداية الندوة أكد السوّاح على حرصه على أن يكون مشروعه الثقافي والفكري حوارياً مع القارئ، وليس جدالياً، لكن حواره مع الحضور تحوّل في بعض جوانبه إلى جدال وصل حد الاستبداد والتعالي على المتحاورين عندما حاول أكثر من مرة إظهار نفاد صبره من الطروحات التي أثارها الحضور، والتي جنحت في أكثرها نحو الاستعراض الثقافي المعد مسبقاً من قبل بعض المحاورين أكثر منه طرح أسئلة ينتظرون من الباحث الإجابة عنها، انطلاقاً من آرائه وأفكاره التي ضمّنها في مؤلفاته الكثيرة التي تناول فيها الأديان وعلاقتها بالمثيولوجيا، والأصول الأيديولوجية والعرقية لسكان المنطقة العربية.
مع هذا كان تشديد الباحث السوّاح على ضرورة كسب ثقة القارئ منذ الصفحة الأولى، وألا يشعر بالإملاء عليه وتوجيهه باتجاه معين، وإيصال الفكرة مبسطة إلى القارئ هو الغاية الأساسية، وحسب رأيه لا وجود لفكرة صعبة، بل هناك أسلوب صعب في إيصال الفكرة، وما يريد إيصاله ويؤكد عليه ليس أيديولوجيا، ولا أفكاراً جاهزة، بل هو فتح نوافذ العقل، وتحريضه على التفكير للوصول إلى نتائج بيسر وسهولة، فالخاتمة عنده يكتبها القارئ لأن الكتاب الذي تكون له خاتمة واحدة تلخص مضمونه ليس كتاباً ناجحاً، فهو يقول: “أنا أكتب بحرية، وأريد أن أعطي القارئ حرية الاستنتاج والفهم”.
تناول الحوار قضايا متنوعة وسجالية، منها رفضه لمصطلح الجاهلية الذي ابتكره إسلام العصر العباسي، عندما بدأت الكتابة تأخذ طريقها إلى البحث والتأريخ، فلا وجود بنظره لعصر الجاهلية، لأن ثقافة الجزيرة العربية كانت على صلة وثيقة بثقافة بلاد الشام التي كان يسكنها عدد كبير من القبائل التي تبنت الديانة المسيحية، ولم يكونوا وثنيين كما روّجت وجهة النظر الجاهلية، حتى إنه يؤكد على أن قبيلة قريش جاءت من بلاد الشام، واستقرت في شبه الجزيرة العربية، ودعا أثناء الحوار كل باحث للخروج من عباءة الأكاديمية في المخاطبة، وعدم اعتناق أية أيديولوجيا، وأن يفكر لنفسه، ويستمع إلى نبض قلبه.
وفي النهاية يمكن التأكيد على أن الحوار كان تفاعلياً غنياً وهاماً يستحق التشجيع والتبني من قبل المرجعيات الثقافية والسياسية والإعلامية لزيادة الوعي والتنوير.