لهذه الأسباب أضاعت كرتنا البوصلة فضلّ المنتخب طريقه….اللجنة المؤقتة ليست بمنأى عن المسؤولية ووعودها زوبعة في فنجان
البعث الأسبوعية – ناصر النجار
كل المهتمين بما يجري على الساحة الكروية يتابعون بترقب واهتمام مصير المنتخب الوطني بعد جملة من القرارات العشوائية والارتجالية التي تتخذ في الوقت الحالي وهي استمرار للقرارات السابقة الصادرة عن الاتحادات المتعاقبة، وكنا نتمنى لو أن القرارات المتخذة كانت عقلانية أو صبت بمصلحة المنتخب الوطني الذي لم يحقق آمال عشاقه.
ولا يبدو أن هناك تفاؤلاً يلوح بالأفق من خلال تخبط اللجنة المؤقتة وعدم صوابية قراراتها ونجد أنها امتداد لما سبقها من اتحادات عملت على وأد كرة القدم في المهد، وإذا كان حزن الجميع على نتائج منتخبنا بادياً على ضياع آماله بالتأهل للمونديال العالمي، فمتى كانت الآمال موجودة بهذا التأهل، وكل ما شعرنا به مجرد أحلام كانت تتطاير بالهواء مع أول مباراة نلعبها.
أداء منتخبنا في التصفيات الآسيوية كان يرافقه تفاصيل صغيرة مزعجة بعضها عفوي وبعضها الآخر قد يكون مقصوداً، فلم تكتمل الصورة في أي مباراة وجاءت هذه التفاصيل لتدمر المنتخب في كل مباراة، وزاد منها أخطاء اللاعبين الفظيعة التي أوردتنا المهالك، فهذا مدافع يسجل بمرمانا وحارس يدخل مرماه أهداف سهلة لم تغزو شباكه بالدوري المحلي، وآخر يتسبب بركلة جزاء، ولاعبون يهدرون من الفرص المباشرة على طريقة الأمور التي لا تصدق لتجعلنا نشك في صدق النوايا ونتساءل: هل وراء الأكمة ما وراءها؟.
صناعة جديدة
في كرة القدم المحلية الإشاعة فن وصناعة توظف بشكل جيد، ولو وظفنا الإمكانيات المتاحة بقدر توظيفنا للإشاعة لصارت كرة القدم بخير، والإشاعة كروياً تأتي من مصادر مسؤولة معنية عن كرة القدم ليتم التغيير وأخذ القرار غير الصحيح، والدليل أن مع كل تغيير نجد القائمين على كرة القدم يرمون أسباب التغيير على الشارع الكروي، وهذا دليل على أن كرتنا يسيرها اللامنطق.
ومن هذه الإشاعات الهجوم المسبق على المنتخب (مدربين ولاعبين)، فالمدرب كان تحت (الضرب) طوال هذه الفترة، أما اللاعبون فلم يسلموا من الكلام غير المباح، والتشكيك بهم وبقدراتهم وإمكانياتهم على الدوام أدى إلى فقدان الثقة، فاللاعب فقد ثقته بنفسه وفقد ثقته بكادره التدريبي، وبالمحصلة العامة فقد ثقته بالقائمين على كرتنا.
وعلى سبيل المثال تم الترويج إلى أن مباراتي العراق وإيران هما المباراتان الأخيرتان للمدرب نزار محروس مع المنتخب، بعدها وعندما تعالت الاحتجاجات على مثل هكذا تصريح لا يصب بمصلحة المنتخب، تم تعديل الإشاعة لتصبح: إذا لم يحقق المدرب أربع نقاط من المباراتين فسيتم إقالته وتغييره، ورغم نفي اللجنة المؤقتة لهذه الإشاعات إلا أنها كانت حقيقية والدليل أنه نفذها بالحرف.
وهذه الإشاعة ساهمت بإضعاف الروح المعنوية للمنتخب وساهمت بشكل مباشر بمثل هذه النتائج المحققة، ونحن هنا أمام حالتين، الأولى: إذا كانت اللجنة المؤقتة لكرة القدم هي وراء هذه الإشاعات فإنها تتحمل انتكاسات المنتخب لأنها سارت عكس الاتجاه، وهذا يعني أن النوايا غير سليمة،والثانية: إذا كانت هذه الإشاعات مصدرها البعض في وسائل التواصل الاجتماعي، فهذا يعني أنها رهن إشارة البعض الذين يسيرونها ، وهذا ما حدث تماماً من خلال تعيين المدرب الروماني تيتا بسرعة ليدل ذلك على أن الأمور مبيتة مسبقاً، وكان الساعون إلى التعاقد مع تيتا يسعون إلى تفشيل المنتخب بكل ما أوتوا من قوة ليتحقق لهم ما يريدون، وصدق أحدهم عندما قال: إن بعض أو أحد أعضاء اللجنة المؤقتة على الأقل على خلاف سابق وقديم مع المدرب وآن أوان تصفية الخلافات الشخصية معه عبر المنتخب.
وبالمحصلة العامة أمام هذه الحالة وأمام أشياء أخرى تخص بقية الأمور الكروية نجد أن اللجنة غير جديرة بقيادة الكرة السورية وهي تتجاوز المهام الموكلة بها في هذه المرحلة المؤقتة وهي أضعف من أن تقود كرتنا، ويتحمل مسؤولية كل ذلك من أوجدها.
وإذا علمنا أن العديد من مواقع التواصل الاجتماعي مأجورة ويديرها أشخاص باتوا معروفين بمصالحهم الشخصية من خلال تسويقهم للمدرب الفلاني وبعض اللاعبين، فإن ذلك يؤكد أن عمليات الهدم بالمنتخبات مستمرة ولن تتوقف ما دامت الأمور ستبقى على وضعها الحالي.
وآخر طب الكيل أن أحدهم رشح اللاعب السابق روميو إسكندر لتدريب المنتخب، ليس لأي سبب، سوى أنه في السويد وأنه ابن ناديه، ونتساءل هنا: هل كل من يعيش في أوروبا يعتبر محترفاً ويملك الفكر والثقافة والخبرة التي تؤهله لقيادة المنتخبات، ولو كان هو وأمثاله جديرون لوجدناهم يدربون أندية محترفة في أوروبا؟.
ومنذ أن قرر اتحاد الكرة في سرّه إقالة المدرب تهافتت وسائل التواصل الاجتماعي على تقديم مرشحيها لتولي مهمة تدريب المنتخب بدءاً من العشرة الموجودين في الخليج الذين يدربون فرق الفئات العمرية في أندية مغمورة، وصولاً إلى مدربين محليين منحوا كل الفرص سابقاً مع كل المنتخبات ولم يحققوا أدنى المطلوب.
وأمام كل هذا وذاك علينا أن ننظر لواقع كرتنا بمنطق وعقلانية، فهل علتنا بالمدرب فقط؟ ولماذا علينا تحميل المدرب كل التبعات لوحده؟
لا نشك مطلقاً في إخلاص مدربينا عندما يتولون تدريب أي منتخب وطني أو أي ناد، إنما مشكلة الكرة السورية صارت واضحة وهي أكبر من إمكانيات مدرب ومدى أهليته للتدريب، لكن بالنظر إلى ما حولنا نجد أن مدربين كباراً لهم باعهم واسمهم العالمي بكرة القدم فشلوا بتحقيق أدنى النتائج لمنتخباتهم وهذه المنتخبات تملك من الإمكانيات والمقومات أكثر مما نملك، كمدربي الإمارات والعراق والكويت والأردن، لذلك نسأل: ما العلة في سبب هذا الفشل الذريع؟ فالمدرب وحده لا يتحمل ما آل إليه المنتخب من عروض ونتائج.
هذا الكلام لا يتعارض مع أن كرتنا بحاجة إلى مدرب عالمي له بصماته الدولية وسيرته الذاتية المحترمة، لكنها بالوقت ذاته تحتاج إلى منظومة عمل محترفة قادرة على قيادة كرتنا بإخلاص نحو آفاق يجب أن تكون كرتنا فيها.
وأمام واقع مضطرب وفوضى لا حصر لها جاء التعاقد مع تيتا لأنه يماثل القائمين على كرتنا بالمستوى من باب الموازنة حتى لا يتغلب طرف على حساب الطرف الآخر فالكل في الموقع سواء.
المنطق الكروي
الدراسة المنطقية لواقع كرة القدم في آسيا تشير إلى أن منتخبات اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا بطابق وباقي المنتخبات بطابق آخر، وإذا بحثنا عن عرب آسيا لوجدنا أن السعودية بطابق وباقي الدول بطابق آخر، وقد تكون قطر استثناء في هذه الفترة لأن الفيفا يريد تأهيلها لدخول كأس العالم بصورة حسنة، مع الإشارة إلى وجود عدد لا بأس به بين صفوفها من اللاعبين المجنسين.
مسألة التفوق الرياضي الذي حققته منتخبات الصف الأول في آسيا تنسجم تماماً مع وجود عوامل كثيرة ومعطيات موجودة، وهذه العوامل تتلخص بحسن التخطيط والمنهجية القائمة على استراتيجية طويلة الأمد، وقوة الدعم، وتأمين متطلبات العمل من ملاعب ومستلزمات وتجهيزات، وسلطة رياضية قوية قادرة على وضع النقاط على الحروف وراغبة في مكافحة الفساد الكروي والرياضي بآن معاً.
كرتنا لا شك أنها تملك من الآمال والأحلام الكبيرة والطموحة الراغبة بتحقيق مجد كروي ولكن للأسف ليس لدينا الرغبة والإرادة لصناعة كرة قدم متميزة ومن المعلوم أن الممارسة تختلف جذرياً عن الصناعة.
وإذا بحثنا في أسباب تراجع كرتنا وتواضعها لوجدنا الأسباب كثيرة ومتعددة، والغريب في الموضوع أن الكل يعلم مواضع الخلل والكل يعرف أساليب العلاج، لكن كل واحد يرمي بالخطأ على غيره دون أن تتحد الآراء لوضع الحلول، وعلى ما يبدو أن الجميع مستفيد من هذا الوضع المتراجع.
وبداية الإصلاح تكمن بالمحاسبة، إذا لم تكن هناك محاسبة جادة فالأمور ستبقى على حالها، المحاسبة تبدأ من التصريحات، فكل اتحاد جديد يبدأ بتصريحات رنانة وأنه (سيشيل الزير من البير) ويتهم من سبقه بالخلل والتقصير، ونجد بعدها أن السابقون رحلوا بأمان وأصحاب التصريحات بقيت كلماتهم في الهواء، وعلى هذا المنوال تدور كرة القدم.
وإذا كانت اللجنة المؤقتة اتهمت علناً في مؤتمر صحفي اتحاد حاتم الغايب بالفساد المالي وغير ذلك من الأمور، فلماذا لم تؤخذ هذه الاتهامات على وجه الجدية؟ هل كانت هذه الاتهامات زوبعة في فنجان أم إن أحداً لا يجرؤ على محاسبة الاتحاد السابق؟
حتى اللجنة المؤقتة الحالية يجب أن تكون عرضة لكل أشكال المحاسبة على التصريحات والتصرفات فالقضية تخص وطن وليست قضية عابرة تخص أشخاص.
وإذا بحثنا في أعمال اللجنة المؤقتة حتى الآن فإننا لم نجد أي شيء مهم في أعمالها وأفعالها من التي وعدت به في مؤتمرها الصحفي الأول الساخن وقد شعرنا حسب التصريحات أن أمور كرتنا ستكون بخير.
القرار الاستراتيجي الوحيد الذي اتخذته اللجنة هو تعيين مدرب جديد للمنتخب، وللأسف فالطاقم الجديد ليس بأفضل من الراحلين، أما الموضوع المالي فلم نعد نسمع عنه شيئاً وعلى ما يبدو أنه كان للترويج فقط، وموضوع تسويق الدوري والمنتخب لم يتم التصرف به كما وعدوا وسيبقى الدوري بلا رعاية والمنتخب بلا داعم، بالفعل لم نجد أي أثر لعمل إيجابي قامت به اللجنة المؤقتة حتى الآن، وعلى ما يبدو أنها أنهت مهمتها منذ استلامها العمل.
الموضوع المهم أن اللجنة المؤقتة تقاسمت الورثة من الاتحاد السابق وقد توزعت مهام السفر والسياحة بين أفرادها وهذا هم المهم، وبتنا بالفعل نخشى أن نندم على رحيل الاتحاد السابق.