تحت المجهر.. حملة الـ 16 يوماً لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي
دمشق- لينا عدره
واحدة من كل ثلاث نساء تتعرّض للعنف على الأقل مرة في حياتها، حسب إحصائيات الأمم المتحدة، وتزداد النسب في الأزمات، حيث كانت النساء أكثر الفئات تضرراً جرَّاء الأزمات المتقاطعة المتمثلة بالنزاعات والحروب والتشرد، نظراً لأنهن معرضات لمخاطر عالية من كل أشكال العنف والاستغلال، ما يؤدي بهن إلى اليأس الاقتصادي، وخاصة مع انهيار شبكات الأمان الاجتماعي، وما ينتج عنها من مآسٍ تبدأ بزواج الأطفال، وتنتهي بكوارث اجتماعية لا تعدّ ولا تحصى.
وتؤكد الدكتورة في كلية التربية سوسن العجوز لـ “البعث” بمناسبة بدء حملة الـ 16 يوماً لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي – والتي تبدأ اليوم، 25 تشرين الثاني، وتستمر لغاية 10 كانون الأول – أن ظاهرة العنف قديمة، وليست بالأمر الطارئ أو الجديد، إلاَّ أنها تزداد وتظهر للعيان أثناء الحروب والأزمات، ومعاناة المرأة السورية خلال فترة الأزمة، ما هي إلَّا دليل واضح على التأثير السلبي الكبير الذي تخلِّفُه الأزمات على النساء اللواتي يصبحن محط أنظار الجميع، ما يجعل نسبة كبيرة منهن، وخاصة اللواتي فقدن المعيل، عرضةً للاغتصاب والتحرش، وبالتالي عرضةً للاستغلال والحرمان من الحقوق والمستحقات، من قبل بعض أرباب العمل، مضيفةً أن للعنف أشكالاً مختلفة تتنوع بين “جسدي وجنسي وإساءة عاطفية واغتصاب، وحرمان من الفرص والموارد”. وأكدت العجوز تصاعد ظاهرة العنف ضد المرأة، بشكلٍ ملفتٍ وخطير، لدرجةٍ باتت منازل الكثير من الفتيات والسيدات هي مصدر الخطر الحقيقي على حياتهن عوضاً عن أن تكون الملجأ والملاذ الآمن لهن، إلاَّ أنَّ المفارقة اليوم ومن خلال المشاهدات اليومية، أنه وعلى الرغم من ازدياد حالات العنف، هناك ازدياد بنسب السيدات اللواتي أصبحن أكثر درايةً وجرأةً على الكلام والبوح بمعاناتهن، والفضل في ذلك يرجع إلى وجود عدد من الجمعيات والمنظمات، والداعمين النفسيين الذين يشكلون سنداً حقيقياً لهن.
وبيّنت أن القانون أنصف المرأة في بعض الحالات، إلاَّ أنه ما زال بحاجةٍ إلى تعديلٍ في بعض مواده، ومن ثم التشدد في تطبيق تلك المواد، وخاصةً المتعلقة بتزويج الطفلات في سنٍ مبكرة، وإخراجهن من المدرسة لاعتقاد الأهل “في بيئات معينة” أن نهاية المرأة “في بيت زوجها”، وهو ما تراه د. العجوز من أكبر أنواع العنف لحرمان الفتاة من طفولتها ومراهقتها، وحقها في التعليم والعمل لاحقاً، العمل الذي يُعتبر سلاحها الحقيقي وسندها، “وليس كما هو في المفهوم الشائع الذي يُروّج له الكثير من الأشخاص والمتمثل بأن قوتها وأمانها، هي بوجودها مع زوجٍ يرعاها بغضّ النظر عن المكانة والمستوى الذي قد تكون وصلت إليه في حياتها العملية”.
ومن وجهة نظر العجوز أن تزويج الفتاة في سنٍ مبكرة، وانتقالها للعيش مع رجلٍ غريب – لن تتمكن من التكيّف معه – سيعرضها لاحقاً لجميع أشكال العنف، بسبب عدم وعيها بحقوقها وواجباتها، وعدم قدرتها الدفاع عن نفسها، لافتة إلى أن معاناة المرأة لا تقتصر عند الزواج في سنٍ مبكرة، بل تمتد لتشمل المرأة المطلقة، وما قد تتعرّض له من تهديد لجهة حرمانها من حضانة أطفالها، مؤكدةً ضرورة إدخال بعض التعديلات على القانون المتعلق بهذه الجزئية، لتجنيب المرأة العنف الأسري المتمثل بالضغط عليها، سواء من قبل “طليقها أو حتى عائلتها” التي قد ترفض استقبال الأطفال، بحجة عدم القدرة على تحمّل أعباء مصاريف الأطفال، وهو ما يُفضي بالنتيجة إلى قناعةٍ تامة بضرورة وضع قانون للأحوال الشخصية يكرس مبدأ المواطنة ويعزّز المساواة بين الجميع “مواطنين ومواطنات”.
وهنا لا بد من التذكير بأن العنف الممارس ضد المرأة ليس محصوراً في منطقةٍ معينة، ولا يرتبط بتقدم المجتمع أو بتخلفه، حيث اعتقدت إحدى الناشطات الأوربيات خلال إعدادها لاستبيان عن أكثر الأماكن خطورةً وتهديداً لحياة المرأة، أن إجابات النساء المستهدفات في الاستبيان ستكون إما اليمن أو أفغانستان! لتُظِهر النتائج أن منزل الزوجية هو أكثرها خطورةً، ما يعكس ارتفاع نسب النساء اللواتي يعانين من العنف الأسري في أوروبا نفسها، حيث ازدادت حالات العنف الأسري بنسبة 10 بالمئة في فرنسا وحدها في عام 2020!!.
وأكدت على عدم تجاهل الدور والنظرة السلبية للنساء في وسائل الإعلام، والتي تؤثر بشكلٍ مباشر على سلوكيات العنف ضد المرأة على أرض الواقع، حيث تشير معظم الدراسات والتقارير إلى وضع الإعلام للمرأة ضمن صورةٍ نمطية تقليدية، لا بل انحيازه وتأطيره لها ضمن أدوارٍ ركزت على دور النساء الاستهلاكي، على حساب وضعهن كشخصيات تتمتع باستقلالية وكينونة، إلاَّ في حالاتٍ استثنائيةٍ قليلةٍ جداً.