فاتن ديركي: أكتب لأن حياة واحدة لا تكفيني
الرقي بالإنسان وتوجيهه نحو الخير والفضيلة والمحبة وجميع المثل والقيم الكبرى في الحياة هي محور رسالة الأديبة فاتن ديركي التي حاولت تكريسها في نتاجاتها، سواء القصة أو الشعر أو الرواية. “البعث” التقت الكاتبة ديركي وكان لنا الحوار التالي:
ماذا تعني لك الكتابة، وهل كتابة القصة تختلف عن كتابة الشعر باعتبارك كتبتِ النوعين؟
الكتابة بالنسبة لي أسلوب حياة أجنح بها نحو السماء بجناحي طير بألوان قوس قزح، نحو الشمس والجبال والتلال والسهول، أضمّ بقبضتي ما تيسّر لي من سواد الحبر المنغمسة ريشته في قلب الحياة بآلامها ومنغصاتها وأتراحها وأوجاعها، وأعود بعدها وأغمسها في لجّة النور والأمل لأضمخ كلماتي ما استطعت من إشراقة النهار والإيمان بالغد، كما تعني لي الخروج من النفق المظلم نحو فضاء الوجود رغم عبثيته، باختصار كما قال أحد الأدباء: أكتب لأن حياة واحدة لا تكفيني.
كتبت القصة وكذلك الشعر لأن كليهما يؤديان الغرض نفسه في نقل أحاسيس ومشاعر الكاتب، فجميع الفنون وأجناس الأدب تتفق في الغاية وتحقّق الرسالة المرجوّة من الكتابة، وقد تكمن أهمية الشعر في أنه يجمع المعنى الكثير في اللفظ القليل، على الرغم من أن روح العصر الحالي باهتمامه بالعلم يحتاج لفن القصة والرواية كونه يتماهى مع شغف الإنسان الحديث بالحقائق وحنينه إلى الخيال، وهذا ما لا يحققه الشعر، فضلاً عن المرونة التي تتسم بها القصة دون الشعر وامتلاكها لأدوات الكتابة بشكل عام، مضيفة أنه لا مفاضلة بين أجناس الأدب، فلكل جنس جماليته وخاصيته التي ينفرد بها عن غيره.
مجموعتك القصصية الأولى “نسائم ملوثة” لاحظنا فيها تركيزاً واضحاً على الصعوبات والسلبيات التي تعانيها المرأة، هل كان هذا بحكم عملك كمحامية أم انحيازا للمرأة؟.
في الحقيقة كتبتها بحكم مهنتي كمحامية وإنسانة هالها ذلك الضغط والظلم الذي ترزح تحته المرأة بسبب بعض الثغرات في قانون الأحوال الشخصية السوري، وقد نادينا بكثير من التغييرات في هذا القانون وتحقق فعلياً شيء منها، ولكن مازال الكثير منها للأسف يسبح في مياه راكدة تشوبها الطحليات التي تثقل كاهل المرأة والأسرة، وبكل صدق ركزت على هذه السلبيات ليس انحيازاً للمرأة بقدر ما هو دفاع عن مجتمع يتطلّب أن يكون قوياً وسليماً ومعافى، وإنه لن يكون كذلك إلا بنهوض المرأة والاهتمام بها وبحقوقها وكرامتها، فكرامة المرأة تعني كرامة الأسرة والطفل التي ترعاه وتنشئه وتلقنه تلك القيم الكبرى التي لن تفلح بإعطائه إياها إلا إذا كانت تملكها، ففاقد الشيء لا يعطيه، وأنّى لامرأة لا تشعر بالأمان في بيتها ولا بالكرامة أن تعطيهما لأطفالها.
*نعرف أن أدب الطفل مسؤولية كبيرة. هل نجحت في محاكاة أحلام الطفل وكيف تجلّى ذلك؟.*
الوطن والمجتمع يحتاجان ليقويا إلى جيل قويّ لا تهزه الأزمات، يحتاجان إلى جيل يؤمن بهما، يكرس نفسه لخدمتهما لإيمانه أنه يدخل في نسيجهما، وأنه جزء لا يتجزأ من عملية البناء والإصلاح، من هنا كان اهتمامي بأدب الطفل وخاصة مسرح الأطفال لأن له خاصية مهمّة، وهي ما يطلق عليها بلغة المسرح “التطهير” وفي علم النفس بـ”التفريغ”، فمسرح الطفل يعمل على تطهير نفس الطفل من المشاعر المكبوتة والانفعالات والمشكلات والعقد النفسية، فبالإضافة إلى أنها تلقنه القيم التربوية والأخلاقية، فهي تحرّضه على التعبير عن مشاعره من خلال قدرة المسرح على محاكاة آلامه ومشكلاته وأزماته النفسية، ونحن بأمسّ الحاجة إلى هذا الشيء بعد الحرب الطاحنة التي عاشتها سورية بما لها من تأثيرات نفسية واجتماعية سلبية مؤذية حالياً ومستقبلاً.
غزت التكنولوجيا حياتنا بالعموم وعالم الطفل خاصة، برأيك هل مازال لمسرح العرائس تأثير على الطفل؟ وكيف رأيتِ هذا؟.
مسرح العرائس مهمّ جداً في مراحل العمر الأولى للطفل، فهو يعدّ أهم أنواع مسرح الطفل لما له من قدرة على محاكاة الطفل وأحلامه ومخاطبته بلغة بسيطة تعتمد الشفافية والوضوح في الحوار، فالطفل تطربه القصة وأحداثها إذا كانت محبوكة بشكل ذكيّ من قبل الكاتب، مما ينمّي لديه الخيال بشكل كبير.
وأستطيع القول إن الإقبال والنجاح الكبيرين اللذين لاقتهما المسرحيات التي قدمتها سواء على مسرح العرائس أم مسرح الطفل يجعلني مطمئنة إلى أنني وضعت قدمي في الطريق الصحيح، وما يزيد شغفي أكثر بهذا المجال هي ملاحظتي سعادة الأطفال أثناء مشاهدتهم وحضورهم العروض، ورؤيتهم بعد كل عرض يجرون متفاعلين مع الممثلين بفرح شديد مما يعني لي الكثير ويؤكد لي أنني نجحت مع الممثلين ومخرج العمل والكادر الفني في الوصول إلى قلوبهم، فما أعظم أن نكون سبباً لرسم ابتسامة على ثغر طفل!.
حين اعتزلت الغناء” ما الفكرة أو الرسالة التي حاولتِ إيصالها من خلال هذه المجموعة الشعرية؟.
**كانت دعوة للأمل في وقت عصيب كنا نعيشه وقت الحرب، فقد كنت واحدة من ضمن الملايين من الشعب السوري التي كادت أن تستسلم للحزن، فاقدة الأمل بغدٍ تشرق فيه الشمس على سماء صافية لا يشوبها دخان الحرب، تغرد على أغصانها العصافير.
روايتك الأخيرة “سمسق” أنجزتها خلال فترة الحظر التي فرضتها جائحة كورونا السنة الماضية ما الذي حاولتِ تقديمه عبرها؟.
اتخذت من رمزية “سمسق” أي شجرة الياسمين رمزاً للجمال والثبات والإرادة والإصرار، ورغبت أن أقول من خلالها لأبناء وطننا الحبيب أحبوا وساعدوا بعضكم ما استطعتم.. سامحوا وتسامحوا فالحياة محطة والعمر قصير.
حدّثينا عن تجربتك الفريدة في الرواية التشاركية “القطار الأزرق” التي كانت بأسمائكم وشخوصكم الحقيقية.
هي تجربة فريدة ومهمة بذات الوقت، وكانت على الرغم من جماليتها صعبة نوعاً ما، إلا أننا استطعنا إنجازها بفضل إصرارنا، فهي دعوة للتكاتف والتعاضد لبناء الوطن من جديد وتجاوز كل ما مررنا به بالمحبة.
دوري في الرواية دور محامية تذهب إلى محطة القطار للسفر إلى حمص لحضور جلسة محاكمة لموكلها التي تجزم ببراءته حاملة معها دليل براءته فتلتقي بباقي الأدباء الذاهبين إلى وجهات وغايات متعدّدة كذلك، وطبعاً بسبب ظروف الحرب يحاصرون في المحطة لتحدث عدة مواقف وحوارات وأحداث، لتنتهي الرواية بوصول القطار ومروره دون توقف ودون أن يصعد إليه أي من الموجودين في المحطة، وهذه كانت رسالتنا نحن الكتّاب السبعة “نعم.. سنبقى في المحطة ننتظر وسيمر القطار دون أخذنا معه إذا بقينا على حالنا من التشتّت وعدم توحّد القلوب والأيادي لبناء هذا الوطن الجريح”.
ليندا تلي