هل تقود سياسات أردوغان لانتخابات مبكرة؟
سمر سامي السمارة
من المقرّر إجراء الانتخابات العامة التركية في 18 حزيران 2023، لكن الأحاديث عن انتخابات مبكرة لا تكاد تتراجع حتى تعود إلى واجهة الأجندة الإعلامية بسبب مبادرة القوى السياسية المعارضة لأردوغان، حيث سيختار الناخبون رئيساً جديداً و600 عضو من الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا لمدة خمس سنوات لكل منهم. لذلك، يسعى أردوغان جاهداً إلى تعزيز صورة “الزعيم الوطني” الذي يتخذ موقفاً رسمياً صارماً في أية قضية، لكن عندما يتعلّق الأمر بسياساته الخارجية والداخلية، يبدو كل شيء على عكس ما يشتهي، إذ تصاعدت مؤخراً التوترات داخل “حزب العدالة والتنمية” الحاكم مع ازدياد عدد فضائح الفساد الكبيرة التي هزّت البلاد، وطالت معظم أعضاء الحزب، ما دفع أبرزهم إلى ترك مناصبهم وتشكيل أحزاب جديدة.
من بين هؤلاء، نائب رئيس الوزراء السابق علي باباجان، ووزير الخارجية السابق، ورئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو، وآخرون، ممن شكلوا جذور حزب العدالة والتنمية، حيث أعلنوا أن تركيا بحاجة إلى رؤية جديدة تماماً للمستقبل، مؤكدين أن أردوغان قد تمادى في استنفاد موارد البلاد، لمواصلة تجربته الجيوسياسية مع اقتصاد لا يمكنه تحمّل سياسته الخارجية التوسعية.
في الصيف الماضي، ذكرت وكالة “بلومبيرغ” أن 27٪ فقط من الأتراك يدعمون الحزب الحاكم، وهو أدنى رقم منذ تأسيس “حزب العدالة والتنمية”، وتعزى الأسباب الرئيسية لهذا الوضع لاستشراء التضخم، ومعدلات البطالة المرتفعة، والإجراءات غير الفعّالة لمكافحة فيروس كورونا، وسوء إدارة الاقتصاد، واستنزاف احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية أثناء حكم البنك من قبل وزير المالية السابق وصهر أردوغان بيرات البيرق.
في ظل هذا المشهد، قرّر كمال كليجدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، الذي يعتقد أن تركيا تفقد مناعتها الجيوسياسية لافتقارها إلى سياسة خارجية متماسكة، مواجهة أردوغان بل ومطالبته بإجراء انتخابات مبكرة بعد أن تحوّلت السياسة الخارجية “صفر مشاكل مع الجيران” التي أعلنها زعيم حزب العدالة والتنمية سابقاً، إلى صراع وخلاف مع معظم دول الجوار، وخاصة سورية واليونان وقبرص وأرمينيا والعراق ومصر. كما تمّ تجميد العملية التي طال أمدها، لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وتفاقمت خلافات أنقرة مع واشنطن وبروكسل حول العديد من القضايا الإقليمية.
لقد جلبت رغبة أردوغان في توحيد شظايا الإمبراطورية العثمانية تحت جناحه، والتي تتضمن القمة الثامنة لمجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية أو المجلس التركي الذي عقد في 12 تشرين الثاني الحالي في اسطنبول، والذي أعقبه بعرض لـ”خريطة العالم التركي الجديد” انتقادات إضافية لسياسته من العديد من دول العالم. وهذا ليس مفاجئاً، لأن “العالم الجديد” بحسب أردوغان يشمل، باستثناء تركيا: كازاخستان، وأذربيجان، والبلقان، وقيرغيزستان، وأوزبكستان، ومنطقة شينغيانغ الإيغورية التي تتمتّع بالحكم الذاتي في الصين، وأجزاء من منغوليا وإيران، وأوروبا، وجزء كبير من روسيا، لتكون أجزاء من الإمبراطورية العثمانية.
وعلى الرغم من تطوير القدرات الصناعية العسكرية التركية وتعزيز أردوغان اللوجستي للجيش التركي، لا تزال تركيا تفتقر إلى القوة لغزو لؤلؤة الإمبراطورية العثمانية، مصر، والمغرب العربي. لكن هذه التطلعات التوسعية لأنقرة كانت منذ فترة طويلة واضحة لتلك الدول. ونتيجة لذلك، فإن أي محاولة من جانب أنقرة للتدخل في الحياة الداخلية لهذه الدول ستواجه معارضة قاطعة.
كان ذلك واضحاً في مصر، عندما حاولت تركيا زعزعة الاستقرار وتغيير السلطة في مصر من خلال جماعة “الإخوان المسلمين”، لكن سرعان ما تمّت الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي، الذي اعتمد عليهم، كما ستشهد محاولة أنقرة التأثير على الوضع في ليبيا من خلال مرتزقتها نتيجة مماثلة.
وقّعت أنقرة مؤخراً، عدة اتفاقيات مع كييف، بما في ذلك اتفاقيات تتعلق بالمجال العسكري التقني، وكانت السلطات التركية استباقية للغاية في منطقة القوقاز، ولاسيما في دمج باكو وتبليسي في الهياكل العسكرية لحلف الناتو، من خلال، التدريبات والمناورات المشتركة، وتدريب الأفراد، والتحويل إلى معايير أسلحة الناتو ما جعل موسكو تنظر بتوجّس إلى هذه الخطوات، والتي يحمل العديد منها توجهاً معادياً لروسيا، وبالتالي، فمن غير المستغرب أن تستمر مصداقية أردوغان وحزبه في التدهور وسط سلسلة من الأزمات والفضائح والإخفاقات السياسية الخارجية.