أمريكا اللاتينية.. عدوان جديد في الفناء الخلفي لأمريكا
عناية ناصر
يقول الرئيس بايدن إن أمريكا “تفتح حقبة جديدة من الدبلوماسية التي لا هوادة فيها”، لكن وعلى ما يبدو، هذا لا يشمل أمريكا اللاتينية، لأنه في الآونة الأخيرة أطلقت الولايات المتحدة العنان لعدد من التحركات العدوانية في جميع أنحاء المنطقة.
فنزويلا
لم يتراجع العدوان الأمريكي على فنزويلا في ظل إدارة بايدن، إذ يقول الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو: “لم تكن هناك إشارة إيجابية واحدة”، حيث تواصل إدارة بايدن سياسة إدارة ترامب بالاعتراف بـ خوان غوايدو كرئيس لفنزويلا، وتواصل عقوباتها المدمرة، لكن مادورو يعرف ما هو الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة ومنظمة الدول الأمريكية. لقد فشلت سياسة الولايات المتحدة في محاولة نزع الشرعية عن انتصارات مادورو من خلال الضغط على المعارضة لمقاطعة الانتخابات، ولا يزال مادورو في السلطة، وأسقط أي دعم حصل عليه غوايدو.
كوبا
على الرغم من كل الوعود، حافظ بايدن على تشدّد ترامب تجاه كوبا بالتصويت ضد قرار في الأمم المتحدة اتخذ بالإجماع تقريباً لإنهاء الحصار المفروض على كوبا، ورفض رفع القيود المفروضة على التحويلات المالية لكوبا التي تجعل من المستحيل على الكوبيين الأمريكيين إرسال الأموال لذويهم. لقد اتخذ خطوات نحو إبقاء كوبا على قائمة الدول الراعية للإرهاب من خلال إدراج كوبا على أنها دولة “لا تتعاون بشكل كامل مع جهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب”. كما ذهب إلى أبعد من مجرد الحفاظ على تحركات ترامب من خلال زيادة العقوبات على العديد من كبار المسؤولين الكوبيين في الجيش والشرطة. والأهم من ذلك، ذكر الخبير الكوبي ويليام ليو غراندي أن السفارة الأمريكية في هافانا “تقوم بدور قيادي في دعم المنشقين، وتجاوزت حدود ما هو مسموح به عادة بموجب اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية”. وذكرت الصحفية الكوبية “روزا ميريام إليزالدي” أنه في أيلول الماضي، قدمت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية منحاً بقيمة 6669000 دولار لمشاريع تهدف إلى تغيير النظام “في كوبا”. يقول ليو غراندي إن “الولايات المتحدة وكوبا في مسار تصادمي بشأن دعم الدبلوماسيين الأمريكيين لبرامج “تعزيز الديمقراطية”.
هذا التدخل الأمريكي في كوبا يذكّر بأوقات عصيبة اتسمت بها العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا. في القناة الخلفية لكوبا، قال ليو غراندي إنه في ظل حكم جورج دبليو بوش، لم يرتفع تمويل الترويج للديمقراطية في كوبا فحسب، بل كان قسم المصالح الأمريكية في هافانا هو الذي قاد هذا الدعم الموسّع لمعارضة النظام. لقد حلّ المعارضون محل الاتصالات الدبلوماسية التي نفترض أن تكون المهمة الرئيسية لقسم المصالح. وصف الراحل فيديل كاسترو بشاعرية قسم المصالح الخاصة في الولايات المتحدة بأنه “أرض خصبة للرجعيين المعادين وموقع قيادة لأكثر الأعمال التخريبية ضد بلدنا”. شكوى كاسترو ضد الولايات المتحدة قبل عقدين من الزمن تردّدت في شكوى الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل من أن السفارة الأمريكية “تلعب دوراً فعالاً في جهود تقويض النظام الداخلي في بلادنا”. لقد أعاد ترويج بايدن للديمقراطية وتدخله في الشؤون الكوبية سياسة الولايات المتحدة تجاه كوبا إلى المستويات العدوانية التي كانت سائدة في حقبة ما قبل أوباما.
نيكاراغوا
في صورة غير متسقة ومربكة للرعاية الصحية المجانية والتعليم والبرامج الاجتماعية، يزعم ستيفن كينزر أن دانيال أورتيغا تحول إلى “زعيم مطلق ويبدو مصمماً على الحكم حتى الموت”. ويقول إنه قبل انتخابات 7 تشرين الثاني الماضي، قام أورتيغا بحملة قمع شرسة، شملت الأمر باعتقال قادة المعارضة وسجن قادة المقاومة المدنية. لكن الولايات المتحدة لم تكن بريئة من التدخل في الانتخابات. فوفقاً لتقرير بن نورتون، قامت منصات وسائل التواصل الاجتماعي الأمريكية الرئيسية، بما في ذلك “الفيس بوك” و”انستغرام” و”تويتر”، بشنّ حملة ذات دوافع سياسية، وفرضت رقابة على أهم المنافذ الإخبارية في نيكاراغوا ومئات الصحفيين والنشطاء الذين يدعمون الحكومة اليسارية في بلاده. يصف نورتون التدخل في الانتخابات بأنه “جزء لا يتجزأ من العدوان السياسي للحكومة الأمريكية على نيكاراغوا”.
الإكوادور
خلال إدارة ترامب، كانت الولايات المتحدة تدعم وتشارك في انقلاب كلاسيكي صامت تضمن فيه فوز المرشح الذي لا يحظى بشعبية والذي تريده في السلطة من خلال منع المرشح الشعبي الذي يريده الشعب من الترشح. وفي دلالة نادرة على ماهية السياسة الخارجية، بدا أن إدارة بايدن قطعت علاقتها بترامب ووضعت حداً لدعم الانقلاب. لكن لحظة عدم التدخل قد ولّت، إذ عادت الولايات المتحدة إلى سلوكها العدواني في الإكوادور. في النهاية، كان المستفيد من التدخل في الانتخابات غييرمو لاسو. ففي 18 تشرين الأول الماضي، أعلن لاسو حالة الطوارئ، وتمّ تعليق حقوق شعب الإكوادور الدستورية، واستولى جنود مسلحون على شوارع الإكوادور.
إن التدخل الأمريكي هو عمل عدواني لدعم تعليق لاسو للحقوق الدستورية وعسكرة الإكوادور. برنامج لاسو التقشفي في بلد يكافح في ظل الفقر وسوء التغذية، لا يحظى بشعبية كبيرة. ومثلما خرجت الدعوة من أجل حشد الناس ضد برنامج التقشف والنزول إلى الشوارع، أعلن لاسو حالة الطوارئ. يبدو أن إعلان لاسو لحالة الطوارئ كان مدفوعاً بالرغبة في حماية حكومته التي لا تحظى بشعبية من الشعب أكثر من الرغبة في حماية الناس، بمعنى أن الدعم الأمريكي هو عمل عدواني ينضمّ إلى قائمة متزايدة من الأعمال العدوانية الجديدة في أمريكا اللاتينية.