في لقاء مع “البعث”.. مدير إدارة القضاء العسكري يوضح ملابسات وإشكاليات النشر القضائي والإداري
دمشق – لينا عدره
رغبة بوضع المواطن السوري في حقائق الأمور، وبغية الوصول إلى إيضاحات علمية وقانونية لا لبس فيها، ولا غموض، بادرت جريدة “البعث” بالتوجه إلى المنبع و إجراء لقاء مع مدير إدارة القضاء العسكري اللواء محمد كنجو حسن، كشف من خلاله ملابسات وإشكاليات النشر القضائي والإداري، وأصول التعامل معهما. وفيما يلي نص اللقاء كاملاً.
سيادة اللواء.. وجهتم كتاباً لوزير الداخلية يتعلق بموضوعي كف البحث وإلغاء نشرات شرطية.. هل يمكنكم أن تطلعونا على مضمونه بدقةٍ؟ ولماذا ورد على شكل بندين؟
بالفعل ورد هذا الكتاب على شكل بندين:
وقد تضمن البند الأول كف بحث وإلغاء نشرات شرطية لـ 50718 حكماً صادراً عن دوائر إدارة القضاء العسكري بشكلٍ عام، بينما تضمن البند الثاني كف بحث وإلغاء نشرات شرطية، لـ 15177 حكماً صادراً عن دوائر إدارة القضاء العسكري، وهذا لشمولها بأحكام مرسوم العفو العام رقم 13 لعام 2021 الصادر عن السيد رئيس الجمهورية. وبالتالي فإن مجموع من استفاد من هذا الإجراء من البندين السابقين هو 65895 شخصاً. وللحقيقة، فإن الغاية من التقسيم إلى بندين هي إظهار قيمة العفو العام المُشار إليه أعلاه الذي أصدره السيد الرئيس فعلياً.
ما المقصود بالنشر؟
ينقسم النشر إلى نوعين: إداري وقضائي.
الإداري يكون من الجهات الإدارية ومثالها وزارة الدفاع، عندما تنشر طلبيات بحق متخلفين عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية.
والقضائي يكون تنفيذاً لقرار قضائي قضى بالقبض على المحكوم عليه تنفيذاً لعقوبةٍ ما، وتعذر القبض عليه أثناء تعقبه ورقياً بين التنفيذ والضابطة العدلية المكلفة بالتنفيذ.
كيف يُلغى النشر بنوعيه؟
إذا كان إدارياً فيُلغى النشر بتحقيق الغاية المتمثلة بإلقاء القبض، مثال أُذيع النشر عن زيد لتخلفه عن الخدمة الإلزامية، وقُبِضَ عليه وسيقَ لأدائها، فيجب على هذه الجهة أن تُلغي إذاعة البحث لزوال الأسباب.
أما القضائي فنحن أمام احتمالين حتى نُلغي البحث:
الأول استناداً لقرار قضائي.. مثلاً شخص محكوم وقُبِضَ عليه تنفيذاً للحكم، وأُودِعَ السجن، فيجب على قسم التنفيذ في القضاء أن يُلغي النشر عن هذا الحكم، إضافةً لاسترداد الأوراق التنفيذية المتعلقة بهذا الحكم.
والثاني تنفيذاً لأحكام مرسوم عفو عام، إذا كانت العقوبة مشمولة كلياً بهذا العفو كون العفو العام، يُسقِط الأحكام الجزائية.
علماً بأن هناك أسباباً قانونية أخرى لسقوط الأحكام الجزائية، ولكنها تحتاج لمعاملات قانونية، ومراجعات من المحكومين كونها ذات شروط محددة، وآثار قانونية مختلفة عن الأحكام المشمولة كُلياً بأحكام العفو العام، وإن هذه المراجعات إما أن تتم أصالةً أو بالوكالة.
ما هي المكاسب التي تحققت من تصرفكم القضائي القانوني الإجرائي “أصول المحاكمات”؟
جواباً لسؤالك نُبين الآتي: إن من استفاد أولاً هو المواطن المُذاع البحث عنه، لأسبابٍ قانونيةٍ – كما شرحنا – كون الإلغاء تم مباشرةً من قبل الدوائر القضائية في إدارة القضاء العسكري دون أن يخسر من وقته دقيقةً واحدةً، ومن ماله قرشاً واحداً ومن “حريراته حريرة واحدة”.
وعلى الصعيد الرسمي، فإن هذا الإجراء قد حدد المتوجب تعقبهم بشكلٍ دقيقٍ من قبل الضابطة العدلية المختصة، وبالتالي تُحصر عملية التعقيب بالمطلوبين فعلاً لأي سببٍ كان بشكلٍ موضوعي وليس واسعاً كمياً.
مثال، قبل هذا الإجراء كان لصالح القضاء العسكري أحكام منشورة تزيد عن مئة وعشرة آلاف حكم ومُذاع البحث عن أشخاص لصالحها، وما أُسقِطَ على ضوء هذا الإجراء هو 65895 حكماً ومتعلقاته، فيكون الرقم الحقيقي هو نتيجة طرح هذا الرقم من الرقم الأصلي.
ما هي المكاسب الأخرى التي حققها المُحال إلى القضاء العسكري وكانت جريمته مشمولة كُلياً بأحكام مرسوم العفو العام؟
للإجابة على هذا التساؤل، لا بد من بيان أن العفو العام هو أحد أسباب سقوط الأحكام الجزائية، وإن تطبيقه يعود للقضاء، وليس لأي جهةٍ إداريةٍ.. بمعنى أنه لا يجوز لأي ضابطة عدلية أو ما يُماثلها أن تُعمِل مفاعيل العفو العام، وطبعاً لهذا التطبيق آلية تمر بالمراحل التالية:
المرحلة الأولى: إذا كانت التحقيقات ما زالت في النيابة العامة العسكرية المختصة مكانياً، والشخص مقبوضاً عليه، يُستجوب ويُترك وتُحفظ التحقيقات.
وإذا كانت التحقيقات قد أُحيلت بدون مقبوض عليه، فإن النيابة أيضاً تُقرر حفظ التحقيقات، وتُلغي البحث الصادر بحقه عند تنظيم الضبط بالواقعة الجرمية من الشرطة.
ومن الممكن أيضاً أن يكون لدى النيابة العامة تحقيقات قائمة لديها قبل صدور العفو العام، وتصبح مشمولة بأحكامه، فتقرر إلغاء إذاعات البحث واسترداد مذكرات الإحضار أو التوقيف على الغياب، وإطلاق سراح الموقوفين وجاهياً من السجون، ثم تقرر حفظ التحقيقات.
المرحلة الثانية: أن تكون الدعوى قائمة أمام أحد المراجع القضائية، فيقوم هذا المرجع بإعمال مفاعيل العفو العام بإسقاط الدعوى العامة، ومن ثم إلغاء إذاعات البحث في حال وجودها، أو مذكرات الإحضار القضائية، أو مذكرات التوقيف على الغياب وإطلاق سراح الموقوفين في حال وجودهم (“بمعنى يجب أن لا يبقى أي قرار من شأنه حجز حرية المستفيد من العفو”).
المرحلة الثالثة: هي مرحلة الأحكام الجزائية التي أُودِعت موضع التنفيذ، وكانت عقوباتها مشمولة كُلياً بالعفو العام، وهنا فإن النيابة العامة المختصة، أو الدائرة القضائية المختصة المُباح لها تنفيذ الأحكام الصادرة عنها، هي من تقرر إسقاط هذه الأحكام، إضافةً إلى إلغاء النشرة الشرطية وشطب الحكم من السجل العدلي الموجود لدى وزارة الداخلية “الأمن الجنائي”.
وقد يسأل سائل: هل العفو العام عندما يشمل عقوبة التخلف عن السوق أو الخدمة الاحتياطية، ومُذاع البحث بموجبها قانوناً بحكمٍ قضائي، يُسقِط الخدمتين أم لا؟
الجواب: بكل تأكيد.. لا.
لأن العفو يطال الحكم المتعلق بجريمة التخلف عن السوق للخدمية الإلزامية أو الاحتياطية، والنشر القضائي الذي كان من متعلقات هذا الحكم، أما الخدمة الاحتياطية، والخدمة الإلزامية فهما من الواجبات الدستورية المصانة بالقانون، ويجب تنفيذها، لكنه يُحقق مكسباً حقيقياً بقدرته على مراجعة دائرة التجنيد التي يتبع لها بسهولة لكي يصوب وضعه.
مثال: شخص وحيد دُعِي للخدمة الإلزامية وهو خارج القطر، ولم يُنجز معاملة وحدانيته، وحُكِمَ غيابياً، فإن وجود هذا الحكم قد يكون حائلاً له من الحضور، فضلاً عن الخوف الذي من الممكن أن يتملكه، وبإجرائنا هذا أزلنا الحائل وأنهينا الخوف، ويُراجع حراُ طليقاً، ويتقدم بالثبوتيات، ويُعفى من الخدمة، وهذا ليس بالقليل.
ويُقاس على هذه الحالة حالات قانونية أخرى، منها أسباب التأجيل إذا كانت محققة، أو الإعفاء كدفع البدل مثلاً.
ولأهمية هذا الجانب، أؤكد ثانيةً أن الخدمة واجب، ولا تسقط إلاَّ لأسبابٍ حددها قانون الخدمة العسكرية، وعلى المواطن أن يُراجع شعب التجنيد التي يتبع لها، للوقوف على حقيقة مركزه القانوني لجهة الخدمة العسكرية بشقيها الاحتياطي والإلزامي، كي لا يقع بالمحظور، وهذا عمل إداري على مسؤولية المواطن الشخصية، ومن واجبه القانوني والشخصي القيام به.