لماذا التشاركية وليس المساهمة؟!
علي عبود
لم تجب الحكومات المتعاقبة عن السؤال: ما الآليات الفعالة لتحسين دخل المواطن؟
وخلافاً لما يعتقد الكثيرون فإن أي زيادة سابقة للأجور لم تسهم بتحسين القدرة الشرائية للعاملين في القطاعين العام والخاص، فهي بالكاد كانت تردم ثغرة صغيرة جداً في الهوة التي تزداد اتساعاً يوماً بعد يوم بين الأسعار والأجور. ولن يُصدّق الناس أن الحكومات المتعاقبة لا تعرف أي آلية ناجعة لتحسين دخل الأسرة السورية، ولكن المشكلة كانت ولا تزال في تبني مثل هذه الآليات، وهي متاحة ولا تحتاج إلى إبداع واختراع!.
إحدى هذه الآليات تحويل شركات القطاع العام إلى نوع من الشركات المساهمة وطرح 49% من أسهمها على الاكتتاب بالتنسيق مع اتحاد العمال لضمان شراء الأسهم لمن يحتاج تحسين دخله ومعيشته. ومن الملفت أن أبرز مقترحات جميع اللجان التي شكلتها الحكومات السابقة منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي لإصلاح القطاع العام، كان فصل الإدارة عن الملكية، وتحويل شركات القطاع العام إلى شركات مساهمة، لكن ما من حكومة ناقشت هذا المقترح الفعّال الذي يتيح تحسين دخل العاملين بأجر.. ولا يدري أحد لماذا لم تفعلها أي حكومة؟.
ما يجعلنا نعيد طرح آلية تحويل بعض شركات القطاع العام إلى شركات مساهمة إصرار وزارة الصناعة على عرض 22 شركة عامة على القطاع الخاص لاستثمارها وفق قانون التشاركية. والسؤال: لماذا الإصرار على تشغيل شركات القطاع العام المتوقفة أو الخاسرة بأسلوب التشاركية وليس بأسلوب المساهمة؟
وبما أن الحكومات المتعاقبة أخفقت بإقناع التّجار بتحويل شركاتهم العائلية إلى شركات مساهمة، رغم ما قدمته لهم من إغراءات وإعفاءات ضريبية، لماذا لم تبادر أي حكومة لتكون القدوة والمثال بتحويل بعض الشركات العامة إلى مساهمة؟.
إذا كان الهدف من التشاركية تأمين السيولة المالية لتشغيل وتطوير وتحديث شركات القطاع العام فإن تحويلها إلى مساهمة يؤمن السيولة الكافية من جهة ويتيح تحسين دخل آلاف المواطنين من جهة أخرى. وإذا كان الهدف من التشاركية الاستفادة من مرونة القطاع الخاص وتحرير الشركات العامة من القيود ومن إشراف عدد هائل من الجهات الوصائية وتحديداً وزارة المالية، فإن أسلوب الشركات المساهمة يتيح تشكيل مجالس إدارة من كبار رجال المال والأعمال للشركات المساهمة الجديدة.
وكنا نأمل على مدى السنوات الماضية، أن يبادر وزير صناعة ما ويُشكّل لجنة مركزية في الوزارة وفرق عمل مختصة لدى كل مؤسّسة، مهمتها وضع تصور واضح واستراتيجية يتمّ من خلالها تحويل الشركات إلى مساهمة وليس بطرحها للاستثمار على مبدأ التشاركية فقط.
حسناً..، إذا كانت الحكومات المتعاقبة مؤمنة جداً بفعالية أسلوب التشاركية، فلماذا لم يقتنع القطاع الخاص كفاية بهذه التشاركية التي تتيح له “التحكم” بأي شركة لمدة لا تقلّ عن 50 عاماً؟.
قرأنا مؤخراً أن المهلة الزمنية لإعلان طرح بعض الشركات العامة على الاستثمار وفق مبدأ التشاركية انتهت، ويبدو أن وزارة الصناعة لم تقتنع بالعروض الثمانية التي قدمها القطاع الخاص فقامت بتمديد الإعلان، ما يؤكد أن “التشاركية” لم ولن تجذب أي رأسمال كبير، على عكس الشركات المساهمة التي أثبتت التجارب السابقة أن حجم الاكتتاب على أسهمها يتجاوز بكثير رأسمالها المطروح على الجمهور.
الخلاصة: لو أن الجهات الحكومية استثمرت مثلاً قطاع الاتصالات على شكل شركات مساهمة لكانت أرباحها بالمليارات ولاستفاد من عوائدها المادية آلاف الأسر العاملة بأجر.. والسؤال: هل تفعلها الحكومات القادمة وتحوّل بعض الشركات العامة إلى مساهمة دون أن تتخلى بالضرورة عن أسلوب التشاركية؟.