رياضةصحيفة البعث

التحكيم الكروي.. صراع على النفوذ ونفاق في العمل

ناصر النجار

لم يكن تدهور التحكيم الكروي وليد الساعة، ولم يأت من عبث، بل كان حصيلة عمل سيىء لأكثر من عشر سنوات سابقة فشلت فيه كل الجهود لإعادة التحكيم المحلي إلى الواجهة الآسيوية أو العربية على الأقل، وقد يكون للأزمة ذنب في هذا التراجع، لكنها لا تتحمّل أكثر من عشرين بالمئة منه فقط، ويتحمّل القائمون على الرياضة وعلى التحكيم الذنب الأكبر.

الملاحظ في السنوات الأخيرة أن الكثير من المباريات حملت في مضمونها عناوين الفشل، لدرجة أننا رأينا كيف أن الكثير من المباريات وصلت بصعوبة بالغة إلى شاطئ الأمان، والقضية بات لها وجهان هما: القائمون على التحكيم يعيشون صراعاً مريراً على مناصبهم، ونفاقاً كبيراً في العمل، والقائمون على الرياضة وكرة القدم لا يدركون أهمية التحكيم، ويدفعون بكل مشاكله واحتياجاته إلى الأمام دون حلول جذرية.

أغلب القائمين على التحكيم في العقدين الأخيرين عملوا من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية، والأمثلة كثيرة وواضحة ونخجل من ذكرها، ولم يكن هذا الركن المهم من أركان كرتنا بعيداً عن أمراض الكرة بشكل عام، فكان همّ القائمين على العمل التحكيمي إبعاد منافسيهم بكل الطرق المتاحة ولو اضطروا إلى استعمال طرق غير أخلاقية عبر اتهام البعض بالفساد، وتذكيرهم بأخطائهم، والعقوبات التي تعرّضوا لها، وتسخير الكثير من الأدوات لنشر ذلك، وتصدر المشهد، معتبرين أنفسهم المنقذين للمسألة التحكيمية.

العلّة الكبيرة التي سببت مرضاً عضالاً بات من الصعوبة الشفاء منه أن كل لجنة جديدة يجب أن تمحو عمل من سبقها، بل إنها تتهمهم بالجهل والفساد، ولتكتمل المعادلة نجد أن الكثير من الحكام ينساقون وراء هذه التيارات فيطبلون لكل الجدد لينالوا الدعم، ومن غير الطبيعي الذي نجده وبات واضح المعالم أن التعامل مع الحكام يتم عبر التكتلات والجماعات، فهذا معنا وهذا ضدنا، لذلك فقد الحكام ثقتهم بأنفسهم لأنهم اقتنعوا أن الواسطة أهم من الخبرة والكفاءة والعمل المنهجي.

مجموعة القائمين في السنوات الأخيرة على العملية التحكيمية لم يتجاوزوا عشرين حكماً متقاعداً، وقد اعتلوا مناصب التحكيم ومراكزه العليا، لكنهم فشلوا بقيادة العملية التحكيمية لأنهم سعوا نحو مصالحهم أكثر من سعيهم نحو التطوير والتأهيل والبناء، وكلما سألنا أي عضو في أية لجنة عليا للتحكيم: ماذا قدمتم للحكام وللتحكيم؟ يأتيك الجواب غير مقنع، لأن النتائج على الأرض لا تتوافق مع الكلام النظري والإجابات العشوائية، وهي ليست خافية على أحد، والغريب أن البعض يعتبر أن رفع أجور التحكيم، وتأمين المستلزمات إنجازات، وهذا العمل ليس إنجازاً، لأن عدم وجوده يعتبر نوعاً من التقصير والإهمال، والإنجاز وحده يتمثّل برؤية تحكيم ناضج، ورؤية حكامنا وهم مطلوبون في المحافل العربية والآسيوية والدولية.

ومادام القائمون على الحكام يعتبرون الأخطاء التحكيمية أخطاء بشرية أو إنسانية فهذا يؤكد جهلهم بالعملية التحكيمية، أو دفاعهم الأعمى عن التحكيم الذي لا يستند إلى المنطق أبداً، خطأ الحكام نشبهه بخطأ الطالب عند الامتحان، فالطالب الراسب هو طالب جاهل أو مهمل، والطالب الناجح هو الطالب الجاد بتحصيله العلمي، والحكام على الشاكلة ذاتها، فالقرار التحكيمي الخاطئ ليس بالضرورة أن يكون مقصوداً، وقد يكون ناتجاً عن جهل الحكم أو إهماله في القيام بمهامه، والقضية قد تكون متعلقة بالتمركز الصحيح، والحضور الذهني، واللياقة البدنية، والفهم الجيد للقانون.

عملية تأهيل الحكام عندنا عملية فاشلة، وكل الاختبارات تنصب في اللياقة البدنية التي تقام قبل بدء الموسم، وهي فيزا العبور نحو الموسم الكروي، لكن الحكام بحاجة إلى دورات وندوات كثيرة ومستمرة على مدار الأسبوع الواحد، وبحاجة إلى معسكرات مغلقة داخلية وخارجية، وبحاجة إلى مستلزمات وأجهزة وتجهيزات، والأهم من ذلك هم بحاجة إلى قيادة تحكيمية ناجحة ومخلصة، وقادرة على عملية البناء والتطوير وتصحيح الأخطاء، ونخشى أن نقول: فاقد الشيء لا يعطيه.

المسؤولية في العملية التحكيمية لا تنحصر بلجنة الحكام العليا، بل هي مسؤولية كل اللجان الفرعية في المحافظات، ولو مارست هذه اللجان الدور المفترض بها على صعيد حكام محافظاتها لكان الحكام والتحكيم بخير.